المشكلات الزوجية ( تحطم القلوب)

المشكلات الزوجية
إن البيت المسلم السعيد هو الدعامة الأساسية لقيام المجتمع المسلم الرشيد ، والأسرة الآمنة المستقرة أساس المجتمع وتماسكه ، وشرط لا مفر منه إذا ما أريد لأمة أن تعز وتنتصر وتسود ولهذا كانت عناية الإسلام كبيرة بالأسرة فذكرها بالإيمان وأشاد بالعدل بناءها ، وثبت بالود قواعدها ، وقوى بالخوف من الله عراها ، ولهذا ، بذل أعداء الإسلام جهوداً مضنية لتدمير الأسرة وتفتيت أواصرها وسلكوا إلى ذلك سبلاً شتى فحرضوا الزوجات على التمرد على أزواجهن ، وزينوا للنساء سبيل هجر البيوت والانطلاق إلى الشوارع والطرقات في ظل شعارات زائفة . وأغروا الرجال ويسروا لهم سبل الغوايات . ونشأت من جراء ذلك مشكلات لم تكن لتوجد أصلاً لو أن الأمور سارت وفق ما أمر الله . كما عمل الأعداء بما يملكون من وسائل الإعلام وغيرها على تخريب علاقات الحب والاحترام بين الآباء والأولاد ( ذكوراً وإناثاً ) وبين الشيوخ والشباب تحت ستار مبادئ اخترعوها مثل ضرورة الاختلاف بين الأجيال أو صراع الأجيال وما إلى ذلك .
وإذا كان أتباع الباطل جادين في نصرة باطلهم فأولى بأتباع الحق أن ينصروا حقهم ، لكن ذلك يقتضي عملاً دؤوباً وجهاداً متواصلاً في المجالات كلها وعلى المستويات كلها حتى يتحقق الأمل وتجنى الثمار ( ويومئذ يفرح المؤمنون ، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) ( الروم : 5، 4 ) ما أعتقد أن في الحياة سعادة تفوق سعادة الإنسان في بيته ، ولا شقاء يعدل شقاءه مع أهله ، فمن كان في بيته سعيداً عاش مع الناس سعيداً ، ومن كان في بيته منغصاً يفقد الهدوء النفسي عاش مع الناس سئ الخلق متبرماً بهم ، ضيق الصدر في معاملتهم ، وإذا كان الغربيون يقولون في أعقاب كل مشكلة فتش عن المرأة ، فإن من الواجب أن نقول أو عن الرجل _ ومن الواجب أن نقول في أعقاب كل مشكلة اجتماعية وكل انحراف خلقي فتش عن البيت ، والمشكلات التي تنشأ عن اضطراب الحياة الزوجية كثيرة ولا يمكن حصرها في بيئة معينة . ففي الأوساط المترفة قد تفقد السعادة الزوجية كما في الأوساط الجاهلة .. وفي البيئات المتدينة المحافظة قد تقع الخصومات العائلية كما تقع في البيئات المتحللة .. وهو في الغرب كما في الشرق وعند المتقدمين كما عند المتأخرين .. إنها مشكلة المجتمعات الإنسانية في كل عصر ومصر .. غير أن هذه المشكلة تبدو واضحة الأثر كثيرة الظهور في البيئات التي ضعف فيها وازع الدين والخلق .. ونقصد بالدين الدين النير العميق في النفوس لا الدين السطحي الذي يعتمد على المظاهر والشعارات ، فقد يكون بعض المتدينين من أسوء الناس معاملة لأزواجهم لأن الدين لم يكن عندهم ضابطاً مسيطراً على الأهواء والنزعات وإنما هو مظاهر باهتة لا تسمو بروح ولا تزكي نفساً .. والعوامل التي تنشأ عنها المشكلات العائلية كثيرة متعددة نقتصر على بعضها .. من ذلك :
تحكيم العاطفة أو المصلحة المادية عند اختيار الزوج أو الزوجة ، فكثيراً ما ينشأ الزواج عن حب عاطفي مشبوب لا يلبث أن يفتر بعد الزواج بأشهر قليلة ، وما يلبث الزوجان أن يكتشفا أن بينهما بون شاسع في الأخلاق والمزاج أو الثقافة أو الميول ، وكثيراً ما ينشأ الزواج عن إعجاب بالجمال في الزوج أو الزوجة يعجب الشاب بجمال فتاة فيطلب إلى أهله أن يخطبوها له ثم سرعان ما يكشف له الجمال الجسمي عن قبح نفسي ودمامة خلقية . وقد تعجب الفتاة بشاب وسيم الطلعة فتسرع إلى إجابة طلبه ، ثم يشتد بها الأسى وتكتشف فيه خلقاً سيئاً أو طبعاً دنيئاً .. وكثيراً ما ينشأ الزواج عن طمع في الثروة فهذا خاطب ذو وظيفة أو دخل كبير أو غنى كبير ، وقد يكون مع الغنى المفرط الفساد المتلف ، وأقبح ما يكون الزواج في مثل هذه الحالة أن تزف الفتاة وهي لم تبلغ العشرين إلى عجوز قد جاوز السبعين وما يحدو بأهل الفتاة إلى تزويج فتاتهم منه إلا الطمع في ثروته الكبيرة أو أملاكه الواسعة ، وما يدري هؤلاء أنهم جنوا على فتاتهم جناية أبشع من القتل ، فالقتيل يذوق مرارة الموت لحظات ثم يرتاح وهذه تذوق مرارة الشقاء كل لحظة .. إن الله شرع الزواج سكناً للنفس ، فكيف تسكن نفس هذه الفتاة في أول تفتحها للحياة إلى نفس ودعت الحياة واستقبلت الموت .
ومن العوامل المرتبطة بالمشكلات العائلية : سوء فهم كل من الزوجين لطباع الآخر فقد يكون الزوج حاد المزاج شديد الإحساس يتأثر بأقل الأشياء التي يراها مخالفة لذوقه .. فلا تراعي الزوجة فيه هذا فتضحك وهو غضبان وتعرض عنه وهو يوجه إليها الخطاب ويتكلم الكلمة فترد عليه بعشر كلمات .. فما هي إلا العاصفة وينفجر البركان .. وقد تعجب الزوجة باللون الأحمر فيجبرها على أن تلبس الأبيض وقد تحب شرب اللبن وهو لا يميل إليه فيجبرها على أن تترك ما تميل إليه إلى ما يميل هو إليه فما تلبث أن تشعر بالانقباض ثم التبرم ثم يؤدي التبرم إلى النزاع لأقل سبب .
ومن العوامل المرتبطة بالمشكلات العائلية : عدم تقدير الزوجة لأعباء زوجها وواجباته الاجتماعية ، فقد يكون الزوج سياسياً أو مسؤولاًً من واجبه أن يجتمع إلى الناس ويستقبلهم ، وقد يكون عالماً أو أستاذاً من واجبه أن يقرأ ويكتب فتضيق زوجه بالاجتماعات العامة ، وتتبرم من قراءاته وكتاباته ، بل تتبرم من كتبه وجهاز الحاسب الآلي وتتأفف منه حين تراه يدخل البيت وفي يده كتاب جديد ، ولقد كانت زوجة الإمام الأزهري تتبرم منه حين تراه منكباً على كتبه وتقول له : ” والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر ” ولئن كان من حق الزوجة أن يخصص لها وقتاًً ليؤانسها ويأنس بها ، فليس من حقها أن تنكر عليه تفرغه لواجباته العلمية أو الاجتماعية أو إعجاب الآخرين به ، أو أن تظهر السخط على عمل يرتاح إليه أو مجموعة يرتاح إليها .
ومن المشكلات الزوجية : تدخل الزوج في الشؤون البيتية أكثر مما ينبغي ، وكم من رجل فارغ عن العمل يقف مع زوجته في المطبخ فيقول لها : الماء الذي وضعتيه قليل ، أكثري من الملح ، خففي النار ، حركي الطعام ، وهكذا تضيق زوجته بفضوله ، فما تلبث يوماً بعد يوم أن تنفجر وتثور ، وإذا كان من حق الزوج أن يبدي رغبته في الطعام الذي يريد فليس له الحق في أن ينصب نفسه طاهياً يعلم امرأته أصول الطبخ كل يوم .
ومن أخطر المشكلات العائلية .. السلوك التفاخري والاستهلاكي وعدم مراعاة الأوضاع المالية ، فهي تريد أن تلبس كما تلبس صديقتها تلك وتريد أن تستكثر من الزينة أو أثاث البيت ، أو مستوى المنزل أو السيارة أو قضاء إجازة ، دون أن تلحظ الفروق بين لحاف زوجها ولحاف غيره .. وما أكثر المناسبات عندنا لشراء الملابس .. فكلما تزوج قريب أو بعيد يجب أن تخيط المرأة لحضور العرس فستاناً جديداً تلبسه فيه ، وكلما تغيرت الأزياء وجب أن تتغير … وهكذا يرهق الزوج في ميزانيته ، ويضطر إلى أحد أمرين إما أن يستدين ويرهق نفسه نزولاً عند رغبة زوجته أو نزوات نفسه ، وإما أن يتحمل الخصام والنكد والخلاف ليحافظ على ميزانيته وكرامته بين الناس ، وأنا لا أنكر أن بعض الأزواج قد يبخلون بالإنفاق على زوجاتهم مع القدرة ولست أتحدث عن هذا النوع من الرجال .
ومن المشكلات الزوجية : أن بعض الرجال لا يريد أن يدرك أنه انتقل من حياة العزوبية بما فيها من انفلات إلى حياة الزوجية بما فيها من التزام .. أو أنه يريد الزوجة جاهزة من عند أهلها فلا يتقبل منها أي هفوة أو خطأ .. بل يجب عليه أن يقبل عثراتها وأن يعمل على تعليمها وتثقيفها والرفع من مستواها العلمي والتربوي والثقافي .
وكذلك معاملتها المعاملة التي تشعر فيه بالود والرحمة التي وصف الله بها الزواج في الإسلام حين قال سبحانه ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
وكذلك إشعارها بكرامتها أمام أهلها وأمام أهله بخاصة ، ولهذا أثره العميق في نفسها مما يجعلها أكثر تقبلاً للتغير نحو الأحسن والأفضل .
من بين المشكلات الصمت الرهيب وتراكم ما قد يظن أنه مشكلات .
على أن من أخطر المشكلات التي تواجه الحياة الزوجية ويؤدي إلى خراب كثير من البيوت يبدأ من الفراش .. وكما يقال طريق الطلاق يبدأ بخجل وينتهي بمصيبة هل فعلاً تعتبر هذه مشكلة ؟ إدراك وجود المشكلة هو نصف الحل ، بينما تجاهلها يمكن أن يؤدي إلى تفاقمها ، وقد لا يجدي فيها أي حل عند اكتشافها في توقيت متأخر فما بالنا نحن نحوم حول الحمى ، ولا نناقش الأمور المتعلقة بالصلة الزوجية ، ولا يسمح حتى بالاقتراب لمعرفة ما إذا كان هناك مشكلة أم لا ؟ لأن ذلك يدخل في نطاق العيب وقلة الأدب . هناك العديد من الحالات لمراهقين أوقعهم جهلهم في الخطأ وأحياناً الخطيئة ، وأزواج يشكون من توتر العلاقة أو العجز أو عدم قدرتهم على إسعاد زوجاتهم أو زوجات لا يملكون شجاعة البوح بمعاناتهن من عدم الإشباع لأن الزوج لا يعيرهن الاهتمام الكافي وغالباً لا يبالي .. ومع الأٍسف يشارك المجتمع في تفاقم الأزمة بالصمت الرهيب ، وكل ما يقدمه المجتمع عبر فضائيات إعلامية تقدم الثقافة الخليعة ، ويزداد الأمر سوءاً حينما يظل أمر هذه المعاناة سراً بين الزوجين فتتلاقى أعينهما حائرة متسائلة ولكن الزوجة لا تجروء ولا يصح من امرأة محترمة أن تسأل ، والرجل لا يجروء على طلب المساعدة من زوجته .. أليس رجلاً يجب أن يعرف كل شيء ويبادر لكل شيء .. وهكذا ندخل دوامة .. وتظهر الوصفات العجيبة والاقتراحات الغريبة والنصائح المشينة حتى يصل الأمر للاستعانة بالعفاريت والجان والشعوذة .
وقد تستمر المشكلة شهوراً أو أعواماً دون أن يجروء أحد أن يتحدث عنها بل قد يصل الأمر للطلاق من أجل مشكلة ربما لا يستغرق حلها نصف دقيقة ورغم هذه الصورة المأساوية فإنها أهون كثيراً من الاحتمال الثاني ، وهو أن تبدو الأمور وكأنها تسير بينما تظل النار مشتعلة تحت السطح فلا الرجل ولا المرأة يحصلون على ما يريدون ويتمنون وتسير الحياة وربما يأتي من يقول إن الأمور مستتبة وهذا هو الدليل القاطع .. وإلا كيف جاء الأطفال .
وفجأة تشتعل النيران ويتهدم البيت الذي كان راسخاً مستقراً ، ونلجأ بدعاوي الطلاق والانفصال أثر مشادة غاضبة أو عوامل صورية يسوقها الطرفان لإقناع الناس بأسباب الطلاق ولكنها غير السبب الذي يعلم الزوجان ، إنه العامل الحقيقي ، ولكن كل منهما يكتمه في نفسه ولا يحدث به أحداً حتى نفسه فإذا بادرته بالسؤال عن تفاصيل العلاقة الجنسية كنهها وأثرها في حدوث الطلاق نظر إليك نظرة مريبة مفتشاً في نفسه وتصرفاته عن أي لفتة أو زلة وشت به وبدخيلة نفسه ، ثم يسرع بالإجابة بأن هذا لا يمثل أي مساحة من الأهمية .
أو أن تستمر الحياة حزينة كئيبة ، لا طعم لها ، مليئة بالتوترات والمشاحنات والملل . هل في الأمر مبالغة أم أنها مشكلة عميقة تتوارى خلف أستار من الخجل والجهل ولكنها تطل علينا كل حين بوجه قبيح من الكوارث الأسرية وإذا أردنا العلاج لابد أن نبدأ .. إننا بحاجة إلى رؤية علاجية خاصة بنا تتناسب مع ثقافتنا .. حتى لا يقاومها المجتمع .. وأن نبدأ في بناء تجربتنا الخاصة التي لا تتبع أي ثقافة أخرى ثقافة تستمد من قرآننا الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية وسيرة صحابته رضي الله عنهم .. إننا بحاجة إلى أن نعرف الفرق بين الحياء والخجل … بحاجة إلى أن نقرأ الآيات الكريمات المعجزة برؤية إيمانية نتخيل فيها الصور الاجتماعية الحية.
تعالوا نتأمل تعبيرات القرآن المعجزة الخالدة في وصف العلاقة بين الرجل والمرأة ( الزوجين ) والتي كم هي تعبيرات مهذبة ، ولكنها محملة بالمعاني التي تعجز عنها كتب كبيرة تستفيض في وصف هذه العلاقة بألفاظ صريحة مباشرة ، تلك العلاقة الخاصة جداً بين الرجل وزوجته ، ” نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ، واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ، وبشر المؤمنين ” البقرة 223 ” وقال سبحانه ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) ” البقرة 187 ” ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ” البقرة 187 ” وتكرر في القرآن الكريم في أكثر من موضع تعبير عن العلاقة الجنسية بين الزوجين ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ) ” النساء 21 “
النساء حرث لكم .. النساء لباس لكم وأنتم لباس لهن .. العلاقة الزوجية مباشرة .. العلاقة الزوجية إفضاء بعضكم إلى بعض .
الزوجة حرث زوجها .. والزوج يحرث امرأته .. ماذا يعني حرث الأرض الذي استمدت منه هذه الصورة .. إنه يعني تقليب الأرض من أجل تنشيطها وبعث الحياة فيها ، إنه يعني تخليصها من كل شئ ضار .. إنه يعني تعهدها بالرعاية بكافة صورها حتى تنبت ، حرث الرجل زوجته فماذا يفعل ؟ خاصة إن الأمر يأتي بصدد العلاقة الجنسية واللقاء بين الزوجين ، وحتى تكتمل الصورة يقول الحق تبارك وتعالى ( فأتوا حرثكم أنى شئتم ) إنك حر تماماً .. إنك مفوض تفويضاً كاملاً أن تحرث امرأتك بأي صورة في مكان الحرث لا يوجد موانع ، لا توجد معوقات ، لا يوجد عيب ، إن عملية الحرث تسوي الأرض وتمهدها ، وتزيل العوائق لتكون الأرض مستعدة لاستقبال البذرة وتعهدها حتى تنمو وتزدهر لكن الأرض يجب أن تحرث أولاً حتى يتم ذلك .
إنها حرثك أيها الزوج .. يجب أن تفعل كل شيء من أجل تنشيطها ، من أجل بعث الحياة فيها ، من أجل إمتاعها حتى تتخلص من ما في نفسها من هموم وأحزان ، إنها المتعة التي تمنحها أيها الحارث لمن تحرثها .. ومعنى ذلك ببساطة إن العلاقة الجنسية ليست العلاقة بين جسدين باردين لينتهي بإيلاج عضو داخل عضو .. إنها التفاعل الذي يتم بين الأرض وحارثها ، لأن هذا هو غرض الحرث أن يمر بكل نقطة من جسد زوجته يداعبها ويحارثها ويلمسها ويقبلها ويتحسسها ، وهو بصدد اللقاء بها إن هذا هو الحرث حوار بلغة الجسد ، تحسس لما يستحق التحسس ، بين كل جزء ونظيره ، ومع كل جزء من الجسد ، هو حوار بين الطرفين ، فالزوجة مطالبة برد التحية بأفضل منها ، والحرث بأشد حرثاً فمقابل كل همسة همسات ومقابل كل لمسة لمسات وبهذا يكون الحرث قد تم ، وتكون ظلال الكلمة القرآنية قد مررنا بجزء يسير منها ، ومازال الجزء الكبير يحتاج إلى خيال الأزواج والزوجات حتى يصلوا على أبعاد الحرث وصوره التي عبرت عنها الآية الكريمة .

دفء الاحتواء
والآن إلى الصورة الثانية : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) وفي هذا وصف العلاقة الجنسية حيث السياق في الآية الكريمة ، واللباس ماذا يعني للإنسان وما إحساسه به ؟ إنه الدفء .. إنه الاحتواء .. إنه الأمان .. إنه الستر .. إنه الزينة ، تخيل نفسك بلا لباس .. الزوج لباس الزوجة والزوجة لباس لزوجها في هذه اللحظة عند اللقاء .. إنه يحتويها بذراً بأنفاسه ، إنه يسترها بجسده ، إنه يشعرها بالأمان .. إنه يتزين لها .. إنها تتزين له أن تدفئه بجسدها ، إنها تحتويه بعينها إنها تحضنه حتى لا يقع في الحرام .. إنها تستره بجدائل شعرها ، اللباس يتداخل فينا ونتداخل فيه حتى يصبح جزءاً من جلدنا ربما لا يستطيع .. أصبح جزءاً من شخصيتنا من كياننا .. هكذا الزوجان يلتقيان في اللحظة .. لا يمكن الفصل بينهما إنهما جسدان متداخلان إنهما يريدان أن يذوبا في بعضهما .. كل خلية تذوب .. كل جزء من الجسد يذوب كل نفس تذوب ، كل نظرة تذوب في وصفنا اللباس ؟

إفضاء الحب والمشاعر
إلى المعنى الثالث أو الوصف بالإفضاء ( وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) قد يبدو الإفضاء معنى عاماً وهو في الحقيقة كذلك إن الإفضاء الجسدي هو أحد معانيه ، إنما هو جزء من إفضاء أوسع وأرحب هو إفضاء الروح .. النفس .. إفضاء المشاعر .. والذي يتوجب إفضاء الجسد إلى الجسد .. هل وصل المعنى ؟ هل فهمناه ؟ لا علاقة جنسية .. لاعور بالمتعة الحقيقية للأرواح والأنفس والإفضاء الروحاني والنفسي إلا بالحب إلا بالمشاعر وإلا لتحول الأمر إلى عذاب .. وأي عذاب أشد من أن تكون العلاقة متصادمة متنافرة وهي تبدو متقاربة متلاصقة ، وأيضاً يحمل الإفضاء بالجسد ظلالاً عديدة أفضى أحدهما للآخر أي أنهما جسد واحد أي تصور يسرح فيه الخيال للقاء بين جسدين قد أصبحا جسداً واحداً .

الملامسة الحانية
المعنى الرابع .. المباشرة ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) لماذا هذا اللفظ بالذات ، بالرغم من أنه يبدو ليس معبراً عن اللقاء الجنسي .. مرحلة الدخول الإيلاج فيه بالتحديد فلماذا جاءت المباشرة التي هي من لقاء البشرة بالبشرة ؟
إنه حديث الملامسة الناعمة التي تأتي اللفظة التي تعبر عن هذا الموقف بتلك الرومانسية والرقة إنها الإشارة الربانية .. أيها الناس .. أيها الأزواج والزوجات ليست مجرد لقاء هذين العضوين .. إنها المباشرة .. إنها اللمسة .. تأمل وأسرح بخيالك والبشرة تلتقي بالبشرة كل جزء من البشرة تتحرك حتى تحدث المباشرة فتكون النتيجة الطبيعية أن يباشر الذكر الأنثى فيحدث الإيلاج كجزء من فعل عام وشامل تم بين الجسدين والروحين .

وقدموا لأنفسكم
ثم تأتي المعجزة الخامسة : وكل آيات القرآن معجزة لتوضح الموقف وأن ما أسلفناه من معان وظلال ليس تعسفاً ولا تحميلاً للفظ أكثر مما تحتمل .. يأتي الأمر الرباني المباشر الواضح الذي لا لبس فيه ( وقدموا لأنفسكم ) أمر صريح بالملاطفة والمداعبة والملاعبة لك كل ما تراه يصلح ليقربك إلى زوجتك كل ما يصلح أن يقرب الزوجة إلى زوجها .. فالأمر ليس للرجل دون المرأة .. فكل منهما يقدم لنفسه .. فليجتهد كل إنسان أن يقدم نفسه في أبهى صورة .. إننا نسعى أن نترك انطباعاً قوياً في نفوس الآخرين .. إنه أحد العلامات المهمة في العلاقة بين البشر .. ألا تريد أن تترك انطباعاً قوياً في نفس زوجتك .. ألا تريدين أن تأسري قلب زوجك إن هذه المنظومة القرآنية الرائعة رسم صورة تليق بالإنسان وهو يمارس علاقته الجنسية مع إنسان مثله .. إنه يحرث إنه يحتوي باللباس ، إنه يفضي إليه .. إنه يباشره باللمسة والهمسة والقبلة .. وكل زوجة وزوج له خصوصية في حدوث ذلك والملاطفة التي تليق بالبشر . فلماذا نخجل من نسأل ؟ لماذا لا نبحث عن الحلول لمشكلاتنا الجنسية وهي مهمة وخطيرة ؟ لماذا نتركها تتراكم أو نتجاهلها ؟ لقد وجدت مساعدات طبية مأمونة ليستعيد الرجال حويتهم ويمتعوا نساءهم وفق معطيات صحية واجتماعية تحيط بالحياة الزوجية وتغدق عليها من عوامل المودة والرحمة ما يحقق السكينة التي تنشدها كل أسرة ، إنها إعادة للحياة وبعث جديد يضفي عليها رونقاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما ، أحدثكم عن امرأة منذ سنوات شكت من أن زوجها رجل أعمال ودائم السفر لا يكاد يستقر به النوى حتى يسافر مرة أخرى يقيم عندهم أياماً ويسافر شهوراً فقلت لها أنا لا أدري عن ظروف زوجك ، ولكني أقدم نصيحة لك ، أنت مركز الأمر وعليك المسؤولية في هروب زوجك أو بقائه أنت جنته وناره ، إذا قدم من سفره استقبليه أحسن استقبال ، وأظهري له بأحسن مظهر ، وأدعيه بأحب الأسماء إليه وقولي له كلمات غزلية جاذبة ، قالت بعد هذا العمر ؟ قلت ولم لا ؟ لم تستطيعي بعد أن تتفهمي أن الرجال جميعهم أطفال ، يهوى الثناء مبرز ومقصر حب الثناء غريزة الإنسان .
قالت هين بس وأغلقت السماعة ،وبعد أسبوع كلمت مرة أخرى وتأسفت عما حصل منها ثم قالت هل يمكن أن تملي علي بعض العبارات التي يمكن أن أقولها له ؟ وقلت لها بعض العبارات ومتى تقولها وأسلوب الاستقبال والمعاملة ، وبعد أشهر اتصلت لتشكر وتقول إن التجربة نجحت وأصبح مكوثه في البيت أكثر من سفره .

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.