book, landscape, read

الأسرة وأثرها في تحقيق الأمن الفردي والمجتمعي

تمهيـــــد :

الأسرة من قديم الزمن نظام اجتماعي أو هي وحدة في النظام الاجتماعي الذي ظهر مع خلق الله للإنسان على الأرض وقد مرت الأسرة من بداية نشأتها وحتى وقتنا المعاصر بعدد من التطورات الكبيرة سواء على مستوى حجمها وهيكلها أو على مستوى العلاقات بين أفرادها أو بين الأسرة بعضها ببعض أو من حيث أهدافها ووظائفها وأدوارها. وقد كانت الأسرة في كل مراحلها مرآة تعكس المجتمع الذي تنشأ فيه من حيث عقيدته وحضارته ومستوى تقدمه ، وكان للإسلام أثر بارز في بناء الأسرة ووضع الضوابط والمعايير التي تنظم قيامها باعتبار الأسرة أحد أهم لبنات المجتمع الإسلامي بل هي أهم هذه اللبنات حتى قرأنا قرآن يتلى إلى يوم القيامة في أمر زوجة كانت تناقش زوجها في أمر يرى البعض أنه أمر بسيط أو أمر شخصي بين زوج وزوجته في سورة كاملة وهي سورة المجادلة ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) ([1]).

 ومنذ نشأت الأسرة في بداياتها الأولى مع خلق آدم عليه السلام وحتى يومنا هذا وهي تقوم بمهمة لا ينكرها أحد سواء في مجال التربية أو مجال التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية أو مجال الحد من الانحراف والجريمة وخصوصاً انحراف الأحداث وجرائمهم وقامت بأثر كبير في مجال رعاية الناشئة وحمايتهم من التطرف والانحراف.

 وقد تعرضت الأسرة وخصوصاً في النصف الثاني من القرن الماضي إلى موجة من الهجمات الشرسة التي تريد القضاء عليها غير أن الثابت أن الأسرة ستظل قائمة حتى وإن كانت في شكلها الصغير جداً والمسمى بالأسرة النووية أو الزوجية وفي دراستنا هذه سوف نتناول بإذن الله تعالى أثر الأسرة في التربية وفي الاقتصاد وفي التنمية وفي الحد من الانحراف والجريمة ثم أثرها في ترشيد الأبناء ورعايتهم والحفاظ عليهم من عوامل الانحراف والتطرف.

  الأســرة وأثـرها .. عبر الزمن ، وفي الإسلام .. وفي المجتمع العاصر ..الجدير بالذكر أن الأسرة في المجتمع المعاصر هي امتداد طبيعي للأسرة في الزمن القديم مع بداياتها الأولى مروراً بالعصر الإسلامي الذي ترك بصمات واضحة على وظيفة وأثر الأسرة في النواحي التربوية والاجتماعية وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع الواحد ، ففي مرحلة من مراحل تطور الأسرة كانت الأسرة كبيرة الحجم ثم أخذ يضيق نطاقها وحجمها شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى هذا الحجم من الضيق الذي نلمسه اليوم في بعض المجتمعات الغربية حيث تعمد طبقات في أوربا وأمريكا إلى أن تعهد بحضانة أولادها إلى بعض المؤسسات الحكومية أو الأهلية في جزء كبير من اليوم لأن عمل الرجل مع المرأة بالمصانع والأدوات أصبح يحول دون التفرغ الكامل لرعاية الأبناء والاهتمام بشئونهم ومثلما يحدث مع الأبناء والصغار يحدث مع الآباء الكبار حيث يعهد بعض الأبناء إلى دور المسنين والعجزة برعاية أبويه حينما يبلغ الكبر أحدهما أو كلاهما ذلك أن الروابط الأسرية في المجتمع المعاصر أصبحت أقرب إلى التفكك والانهيار ، لكن الذي يذكر للإسلام في هذا الجانب أنه أوصى بالأبناء وقرر حقوقاً للأبناء على الآباء تبدأ من اختيار أمهم اختياراً صحيحاً مروراً بتسميتهم أسماءً مقبولة وتوفير أرزاقهم ومعاشهم فقد قرر الرسول × أن “ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالرجل راع في بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها .. ) إلى آخر الحديث. كما أوصى الأبناء بالآباء وقرن البر بهما والإحسان إليهما بالشرك بالله قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) ([2]).

وقد تناسبت أدوار وآثار الأسرة مع تطورها واثر قيام الدولة المعاصرة فقد كانت الأسرة تقوم بجميع الوظائف الاجتماعية والاقتصادية تقريباً في الحدود التي يسمح بها نطاقها وبالقدر الذي تقتضيه ظروف المجتمع وحاجاته الاجتماعية والاقتصادية.فقد كانت الأسرة عبارة عن مؤسسة أو هيئة اقتصادية تقوم بإنتاج ما تحتاج إليه وتشرف على شئون الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والاستبدال الداخلي و لا يكاد يجرى بينها وبين أي أسرة أخرى سوى بعض المعاملات الاقتصادية البسيطة حيث أن الأصل أن تجتهد كل أسرة فيما بينها على الاكتفاء الذاتي بين أفرادها وفي الإسلام فإن الإنفاق على الأسرة التي تشمل الزوجة والأبناء وغيرهم مسئولية الزوج ( الأب ) ( الرجال قوامون على النساء  ) ([3]) في الإنفاق وفي قضاء حوائجهم وجعل الميراث للأبناء عبد الآباء (  للرجال نصيب مما ترك الوالدان وألأقربون ) ([4]) الآية.

وهناك بين أفراد الأسرة الواحدة صور من التعاملات الاقتصادية التي ترتبط بالإنفاق على الأبناء والآباء كبار السن وصور التكافل الاجتماعي والظاهر أن الآثار الاقتصادية للأسرة قد تقلصت إلى حد كبير غير أنه من المؤكد أنها ستظل تقوم بأثر ما في المجال الاقتصادي حتى النهاية من ناحية أنها التي توفر كافة المتطلبات المادية للصغار الذين يعيشون في كنفها على الأقل فيما قبل بلوغهم السعي وتحصيل الرزق ومن ناحية أخرى أنها تستطيع أن تكسب الأفراد بعض الصفات الاقتصادية من حيث الكسب والإنفاق والكرم والبخل إلى آخر هذه المورثات التي يكون للأسرة أثرها البارز فيها.

وأما من الناحية السياسية والتشريعية ، فالأسرة هي التي كانت تضع الشرائع وتسن القوانين وترسم الحدود وتمنح الحقوق وتفرض الواجبات وكانت بذلك تشرف على شئون السياسة العامة وتنظيم العلاقات مع الأسر والعشائر الأخرى وتتعهد تنفيذ ما تضعه من تشريعات وما تسنه من قوانين وتقوم بالفصل فيما ينشأ بين الأفراد من خصومات وتعمل على رد الحقوق إلى أصحابها والقصاص للمظلوم من الظالم وحراسة وعقاب من يعتدي على حرماته وما إلى ذلك من الآثار والوظائف التي تؤديها اليوم السلطات القضائية في الدولة المعاصرة ، وقد تراجعت إلى حد كبير هذه الآثار للأسرة مع ظهور الدولة الحديثة التي تقوم بالدور السياسي والقضائي والتشريعي فلا تكاد تلمس أثراً للأسرة في معظم هذه النواحي اللهم إلا الأثر الذي تفرضه علاقات الأفراد بعضهم ببعض فيما يتعلق بالتوجهات السياسية والأخلاقية والانتمائية وما تبثه في نفوس أفرادها من احترام المجتمع والحفاظ على مقدارته وإنجازاته.

من الثابت في الأدبيات الاجتماعية أن الأسرة منذ بداياتها الأولى وحتى اليوم كانت لها آثار دينية وخلقية وتربوية فهي التي كانت تضع النظم الخلقية وقواعد السلوكية وتفصل أحكامه وتوضح مناهجه وتقوم بحراسته وهي التي كانت تميز الخير من الشر والفضيلة من الرذيلة وترسم مقاييس الأخلاق.

وفي الإجمال فإن الأٍسرة كانت لها آثار بارزة في معظم النواحي الاجتماعية والاقتصادية وظلت لها تلك الآثار إلى عهد قريب حيث طغت النزعة الفردية لدى الأفراد والرغبة في الاستقلال ومع ظهور الدولة بالمفهوم الحديث واتساع وتنوع وظائفها وهيمنة آثارها واتساع نطاق سيطرتها على الأسرة أخذ المجتمع العام يطغى بآثاره على سلطان الأسرة وآثارها وينتقص من أثرها ووظائفها وينشئ مع مرور الوقت هيئة خاصة لكل وظيفة كانت تقوم بها الأسرة في الماضي وهذه الهيئة بطبيعة الحال مستقلة عن الأسرة وخاضعة بشكل أو بآخر إلى سلطان الدولة أو المجتمع تأتمر بأمره وتسير وفق توجهاته فقد كان أن انتزعت الدولة من الأسرة الوظيفة التشريعية وأنشأت في المقابل هيئات خاصة تشرع للمجتمع ككل وانتزعت الدولة من الأسرة السلطة التنفيذية وأنشأت بدلاً منها هيئات حكومية تشرف على السياسات العامة والتنفيذية بل وقد انتزعت الدولة من الأسرة الوظيفة الدينية وأنشأت في المقابل هيئات خاصة تتمثل في المجامع العلمية والدينية وهيئات الفتوى وانتزعت الدولة من الأسرة الوظيفة التربوية – إلى حد ما – وأنشأت هيئات خاصة تقوم بدور التربية والتعليم مثل المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز الثقافة والإرشاد والبحث العلمي وانخفض إلى حد كبير أثر الأسرة في التربية واشترك معها في التربية كثير من الهيئات منها التعليمي والإعلامي والثقافي والفني ، فبعد أن كانت الأسرة هي العامل المهم في عملية التربية أصبحت أحد أهم عوامل التربية وإلى جانبها الإعلام والمدرسة والجامعة والشارع والرأي العام والأصدقاء .. الخ.

كما انتزعت الدولة من الأسرة الوظيفة الاقتصادية وأنشأت هيئات خاصة مثل المصارف والمصانع والشركات الكبيرة وأصبح الفرد ينتج للمجتمع ككل بعد أن كان ينتج لنفسه ولأسرته ولا يكاد يستهلك من إنتاجه الخاص شيئاً بل يستهلك من إنتاج غيره وأصبح المجتمع العام هو المهيمن على معظم الأمور التي كانت تقوم بها الأسرة وتؤديها في رضى واطمئنان ، فهل بقيت للأسرة المعاصرة بعض الآثار ؟ هذا ما سوف نحاول أن نجيب عليه في الصفحات الآتية.

 أثــــــرها في التــــربيـــة :لكي نتحدث عن الآثار التربوية للأسرة. فإن كل مخلوق بشري من بعد آدم عليه السلام وحتى يومنا هذا كان نتاج علاقة بين زوجة وزوج أي أم وأب غير أن هذه العلاقة لا تأخذ في بعض الأحيان شكل الأسرة المستفزة التي تبحث في آثارها .. نحن نبحث آثار تربوية لأسرة مستقرة أبوين وأولاد يحيطهم جو عائلي وروح أسرية أما الأسرة المهترئة المفككة القائمة بين أب وأم أحدهما غائب أو كلاهما أو دائمي الخصام والنكد والخلاف فلا شك أن ذلك سيكون له آثاره التربوية أيضاً ولكن من الناحية السلبية ويمكننا أن نرصد مجموعة من الآثار التربوية للأسرة فيما يلي: ([5])

*      يبدو أثر الأسرة فيما يبدو في عمل الوراثة، فبمقدار دقة كلا الزوجين في حسن اختيار زوجة وحرصه على أن يكون من سلالة طاهرة ومنبت صالح وعلى أن يكون خالياً من العيوب الوراثية الجسمية والعقلية والخلقية بمقدار هذه الدقة وهذا الحرص يتحقق في النسل الآثار التربوية الصالحة للوراثة ويعصم من آثارها السيئة بإذن الله تعالى إن ذلك يمتد إلى مرحلة سابقة لزواج آبائهم بأمهاتهم فيبدأ منذ أن يفكر أحد الأبوين في اختيار شريكه في الحياة فضلاً عن ذلك فإن بإمكاننا الأسرة القضاء على كثير مما يظهر لدى الأطفال من صفات وراثية سيئة أو تعليتها وتوجيهها في غير الاتجاه الضار ، فإن كانت الأسرة رشيدة في مناهج التربية وقت الناشئة من شرور هذه الصفات الضارة وإلا جلبت على الناشئة أضراراً وراثية بليغة تلازمهم والأجيال المتعاقبة.

 إضافة إلى ذلك فإن معظم الصفات الوراثية ضارها ونافعها يوجد في الطفل بالقوة لا بالفعل أي على صورة استعدادات واتجاهات فإن وجد في محيط الأسرة وجوها بيئة مواتية نما وترعرع وإلا ذوي وذبل؟ 

 *      وفيما يتعلق باللغة فإن أول ما ينتقل إلى الطفل عن طريق التقليد في الصوت والحركة، لغة آبائه ( أبيه وأمه ) وأفراد أسرته وأعمالهم وسلوكهم ومناهجهم في الحياة فبمقدار سمو المنزل في هذه الأمور تسمو آثار التقليد التربوية في الطفل وبمقدار انحطاطه فيها يكون عامل التقليد وبالاً عليه.

*      وعن طريق الأسرة تحقق البيئة الاجتماعية آثارها التربوية في الطفل فبفضل الجو الأسري والمحيط العائلي تنتقل إلى الناشئة تقاليد أمتهم ونظمها وعرفها الخلقي وعقائدها وآدابها وفضائلها وتاريخها وكثير مما أحرزته من تراث في مختلف الشئون فإذا وفقت الأسرة في أداء هذه الرسالة الجليلة وكان موصلاً جيداً لجميع هذه الأمور حققت البيئة الاجتماعية آثارها البليغة في المجال التربوي وإلا أفسدت الأسرة عليها عملها. فلم يستفد منها الطفل إلا الآثار التافهة ولم يصبيه من كل ذلك إلا الضرر والشرور.

 *      الأسرة هي العنصر الأهم والوحيد للحضانة والتربية المقصودة في المراحل الأولى للطفولة، والواقع أنه لا تستطيع أي مؤسسة عامة أن تقوم بدور الأسرة في هذه المرحلة ، ولا يقصد من دور الحضانة أو الكفالة التي تنشئها في هذه المرحلة ، ولا يقصد من دور الحضانة أو الكفالة التي تنشئها بعض الدول أو الهيئات لإيواء الأطفال في مراحلها الأولى إلا تدارك الحالات التي يُحرم فيها الطفل من جو الأسرة أو تحول فيها ظروف قاهرة بين الأسرة وقيامها بهذه الوظيفة، ولا يتاح لهذه المؤسسات مهما حرصت على تجويد أعمالها أن تحقق ما تحققه الأسرة في هذه الأمور.

 *      وعلى الأسرة يقع قسط كبير من واجب التربية الخلقية والوجدانية والعقلية والدينية في جميع مراحل الطفولة بل وفي المراحل التالية لها كذلك وفي الأمم التي تحارب مدارسها الرسمية الدين بطريق مباشر أو غير مباشر كالأمم الشيوعية وفي الأمم التي تسير معاهدها الدراسية على نظام الحياد في شئون الدين والأخلاق فتنفض يدها من جميع الأمور التي تتصل بهذه النواحي مثل فرنسا والأمم التي تنحو نحوها في هذه الأمم وفي تلك يقع عبء التربية الدينية كاملاً على عاتق الأسرة وصدق رسول الله × حينما أشار إلى هذه الحقيقة فقد جاء في الحديث “ ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه أو ينصرانه “ في إشارة واضحة إلى أن الأسرة ( الأبوين ) في التوجيه الديني لدى الناشئة غير أن هناك عوامل مساعدة أخرى في هذا الميدان فإن المدرسة أيضاً وما تعنيه من تلقين الأفكار والمفاهيم عن الكون والحياة وما يعنيه أيضاً بالارتباط بالأصحاب والأصدقاء فبقدر التوافق الحاصل بين الأسرة والمدرسة والاندماج في الرسالة التي يراد توصيلها يتوقف النجاح في تحقيق غاية الأسرة التربوية.

 *      وبفضل الحياة المستقرة في جو الأسرة ومحيط العائلة يتكون لدى الفرد ما يسمى بالروح العائلي والعواطف الأسرية المختلفة وتنشأ الاتجاهات الأولى للحياة الاجتماعية المنظمة فالأسرة هي التي تجعل من الطفل اجتماعياً مدنياً وتزوده بالعواطف والاتجاهات اللازمة للحياة والانسجام مع المجتمع الذي يعيش فيه.

 أثـــــرها في الاقتــــــصاد:

ذكرنا فيما سبق كيف أن الأسرة منذ نشأتها كانت تقوم بوظائف الهيئة أو الشركة الاقتصادية ، فقد كانت تقوم بعمليات الإنتاج لكافة ما تحتاج إليه جموع أفراد الأسرة ثم تقوم بدور التوزيع وتنظيم عمليات الاستهلاك والاستبدال الداخلي ( بين أفرادها بعضهم ببعض ) أو الاستبدال الخارجي بين الأسرة وغيرها من الأسر إذا دعت الضرورة لذلك. إذ القاعدة أن تقوم الأسرة بتوفير ما تحتاج إليه من سلع وخدمات فيما يعرف بسياسة الاكتفاء الذاتي بين أفرادها.

 والأسرة المعاصرة – ومع نشأة الدولة – تتميز بأنها وحدة صغيرة تتكون من الزوجين والأبناء وربما الأجداد والجدّات ومع بروز النزعة الفردية لدى الإنسان المعاصر ضعفت العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة حتى المباشرين منهم فضلاً عن الأقارب البعيدين من أعمام وعمّات وأخوال وخالات، وقد كان ذلك بطبيعة الحال نتيجة لزيادة المطالب المادية والضغوط الحياتية اليومية التي يواجهها أفراد المجتمع.

في الأسرة الريفية التي تتميز إلى حد ما بالكبر وتشتمل على جيلين من الأبناء أو أكثر يستطيع المراقب رصد ممارسة الأسرة لوظيفتها الاقتصادية بسهولة ففي الأسرة الريفية تتم العملية الإنتاجية في البيت وتقوم الأسرة بإنتاج كميات كبيرة من السلع التي يحتاج إليها الأفراد داخل الأسرة كما تشرف على التوزيع والاستهلاك فلا تستهلك إلا بقدر إنتاجها.

 مع ظهور الدولة الحديثة وتطور دورها ووظيفتها فإن الآثار الاقتصادية للأسرة توشك أن تتقلص إذا لم تعد الأسرة هي المكان الوحيد الذي يشبع الحاجات  المادية
للفرد ، فقد أجبرت المرأة على السعي للحصول على فرصة عمل خارج البيت وبعيداً عن نطاق الأسرة مما أدى إلى نشوء روابط وعلاقات اقتصادية خارجية وبعد أن كان الجميع يعملون تحت سقف واحد سواء كان في العمل الزراعي أو في المجال المهني والعلمي انتشر الأفراد وأبناء الأسرة الواحدة في مواقع العمل المختلفة والمتباعدة وقد أدى ذلك إلى بروز بعض الآثار نذكر منها :

*      تحقق للمرأة من خلال ذلك العمل الاستقلال الذاتي الاقتصادي ولم تعد عبئاً على أسرتها أو زوجها في إشباع حاجاتها المادية لذا فقد زادت النزعة الاستقلالية لدى الزوجة ومن ثم بدأ يظهر في الأفق نوعاً من المساواة في اتخاذ القرار التي يقف فيها كل من الزوج والزوجة على قدم المساواة.

وعلى وجه العموم فإن هناك بعض الآثار الاقتصادية للأسرة سوف تبقى حتى وإن تخلت الأسرة عن بعض آثارها ، ومن هذه الآثار :

 *      أثر الأسرة في المهنة والحرفة : كثيراً ما يحدث أن يرث الأبناء مهن وحرف آبائهم فنجد أن أبناء المزارع يرغبون في ممارسة مهنة الزراعة أكثر من أي مهنة أخرى وكذلك أبناء الصناع أو البنائين أو النجارين ولا يمحو هذا الأثر إلا رغبة آباء أو الأبناء في احتراف مهنة أو عمل قد يرى أنه الأفضل مع التطور الحضاري أو تحصيل علم .. الخ . وقد يكون ذلك أحد الآثار الاجتماعية أيضاً غير أنه يبدو جلياً كذلك في بعض النواحي الاقتصادية.

*      أثرها في مستوى المعيشة : غالباً ما يرث الأبناء عن طريق الميراث مستوى معيشة أبناءهم، فإن كانت الأسرة غنية كان أبناؤها وذرياتهم أغنياء وإن كانت الأسرة فقيرة كان أبناؤها وذرياتهم فقراء. وقد حث النبي × أصحابه على أن يتركوا أبناءهم أغنياء خير من أن يتركوهم فقراء يسألون الناس وكما يرث الأبناء الثروة فإنهم يرثون أيضاً من أسرهم بعض الصفات الأخلاقية المرتبطة بالناحية الاقتصادية مثل الجود والكرم أو البخل والشح لذلك قال × عن يوسف عليه السلام “ الكريم ابن الكريم ابن الكريم” إشارة إلى سيدنا يعقوب وسيدنا إسحاق وسيدنا إبراهيم الكريم عليهم السلام الذي قرب إلى أضيافه من الملائكة ( عجلاً سميناً ) على قلة عددهم ، وقد عرف العرب عائلات كريمة مشهورة بالكرم وعرفوا كذلك عائلاً بخيلة مشهورة بالبخل وكانوا يمدحون أهل الكرم ويذمون أهل البخل وفي ذلك أقوال وأشعار ليس هنا مجال ذكرها.

 *      الآثار الاقتصادية والنواحي الأخرى :

يعتبر الاقتصاد عصب الحياة المعاصرة إن على مستوى الأسرة أو على مستوى الأمة كلها وأصبح الاستقلال الاقتصادي مطلب رئيس للأمم والشعوب لأن من لا يملك قوته ( طعامه ) لا يملك قراره ، ذلك فإن الظروف الاقتصادية التي تمر بها الأسرة لا شك أنها تترك كثيراً من الظلال التي تفرض عليها سلوكاً معيناً ، فقد تنظر الأسرة الغنية نظرة استعلاء واستصغار إلى الأسرة الفقيرة وكذلك أفرادها وقد لا يصاهرونهم ولا يتعاملون معهم بيعاً  أو شراءً.

 وكثيراً ما يتجه بعض أفراد الأسرة الواحدة إلى تنظيم ورعاية صناديق تكافل عائلية تحت مسمى الأسرة كان يقال ( صندوق تكافل عائلة كذا .. ) أو ( عائلة كذا .. ) يقوم هذا الصندوق على جمع اشتراك شهري أو ربع سنوي أو سنوي يوضع في صندوق ويخصص منه مبالغ للمحتاجين من أفراد الأسرة أو مساعدتهم في ظروف أو مناسبات يكونون محتاجين إلى المساعدة فيها وهذا كثيراً ما يحدث في المملكة العربية السعودية وبعض الدول الإسلامية التي لا يزال أثر الأسرة كبيراً فيها.

 أثـــــرها في التنــــميـة :يمكننا القول بأن التنمية لم تعرّف حتى الآن وربما لا تجد تعريفاً يرضي جميع الأطراف في جميع الأمم ، ومع ذلك تشير التنمية على وجه العموم للتقدم الاجتماعي والاقتصادي المطلوب، ويستطيع المرء أن يقول أن التنمية تتضمن بالتأكيد تحسين أحوال المعيشة الأساسية والتي من شروطها الأساسية النمو الاقتصادي والتصنيع ، بالإضافة إلى هذا تتضمن التنمية تهيؤ البناء الاقتصادي والاجتماعي الذي يشمل التغيرات في الإنتاج والطلب ، بالإضافة إلى التحسينات في توزيع الدخل والعمل ، كما تتطلب أيضاً بناء اختصار أكثر تنوعاً والكثير من التوافق بين توفير المدخلات وفتح أسواق للإنتاج ، على أن التنمية لا تشمل الجانب الاقتصادي فحسب وإنما لها علاقة وطيدة بالجوانب الاجتماعية والسياسة التي تسير حركة المجتمع وتحمل في طياتها رغبات السمو الإنساني والطموح البشري النافع. وفي الواقع فإنه لا توجد قوانين عالمية تحكم عملية التنمية([6]) فقد اختلفت نظرة الأمم والشعوب إلى التنمية إن في وسائلها أو أهدافها وهنا نجد أن الرأسمالية تسأل : بم تقوم بالتنمية ؟ في إشارة إلى الموارد الطبيعية والاشتراكية تسأل : كيف تقوم التنمية ؟ في إشارة منها إلى أن عدالة التوزيع هي المدخل للتنمية. نجد أن الإسلام يسأل : عن من يقوم بالتنمية وبم تقوم التنمية وكيف تقوم ؟ في إشارة واضحة إلى أهمية الإنسان أو العنصر البشري باعتبار أن الإنسان هو هدف وغاية الإسلام أو العنصر البشري باعتبار أن الإنسان هو هدف وغاية الإسلام في بنائه الحضاري. وهذا هو ما دفع سيدنا يوسف عليه السلام إلى أن يطلب من الملك أن يكون هو شخصياً على رأس الجهاز التنفيذي المشرف على البرنامج الاقتصادي الذي وضعه لحل الأزمة الاقتصادية ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) ([7]). وكذلك أهمية الموارد وأهمية كيفية العمل لأن الأسلوب لابد أن يكون وفق لاتباع والأسرة وما تقوم به من توفير المناخ الطبيعي لتنشئة الإنسان التنشئة الإيجابية هي أحد أهم الروافد التي ترفد المجتمع بأهم عنصر من عناصر التنمية ألا وهو العنصر البشري.

فالأسرة وما تلقيه من مسئوليات وتبعات على رب الأسرة أو المسئول عن إعالتها تدفع بقطاع عريض من البشر إلى الدوران في فلك عجلة القسنمية لأن رب الأسرة مسئول عن أسرته ومسئول عن توفير حياة كريمة لهم فيندفع بذلك دفعاً إلى الجد والإنتاج هكذا يقول المودودي في كتابه ( الحجاب ) أن تكوين الأسرة لا يفيد في مسألة التربية الصالحة فحسب وإنما تكوين الأسرة وما يتبعها من مسئوليات أحد أهم عوامل النمو الحضارية على مستوى التاريخ البشري إذ أن كل جيل ملزم تلقائياً بتوفير حياة كريمة للجيل الذي يأتي من بعده وهكذا فإن كل الآباء يتركون ككل الأبناء ما يعينهم على النهوض فضلاً عن ذلك فإن الترابط الاجتماعي الحادث بين أجيال الأسرة يجعلها ترث فيما ترث عوامل النهوض والنمو جيلاً بعد جيل كما يدفعها إلى تجنب عوامل التخلف والضعف أيضاً جيلاً بعد جيل.والأسرة تعطي الفرد المنضبط في سلوكه وتصرفاته وأخلاقه ويقوم بدوره كاملاً في الإنتاج والإنفاق والادخار ، ونحن نتكلم هنا عن أسرة قوية متماسكة تقوم بواجباتها التربوية والاجتماعية إنها تمد المجتمع بالعضو الفاعل الوسط في إنفاقه الجاد المجتهد في إنتاجه لا الفرد الكسول الخامل العالة على المجتمع الذي يؤثر الراحة على التعب ويؤثر التفلت على الانضباط. هذا العضو الذي ينشأ في أسرة قوية متماسكة عامل مهم جداً من عوامل التنمية. ونحن هنا نضرب مثالاً من خلال الأسرة في المملكة العربية السعودية وهي الآن بين الأسرة الممتدة والأسرة النووية وتقوم بوظيفة مهمة في التربية والتوجيه حيث يعتبر الوالدين حتى الآن أهم عناصر التربية مع العوامل الأخرى طبعاً بفضل الله تعالى ثم سياسات التنمية التي ترعاها الحكومة والنظام الأسري المتماسك في المملكة ازداد السكان فازدادت الأيدي العاملة المنتجة المجاهدة وأصبحت منطقة جذب للراغبين في العمل ارتفعت مساحة الأرض الزراعية من 150 ألف هكتار إلى مليونين و 300 ألف هكتار مما حقق لها الاكتفاء الذاتي خاصة من محصول القمح الذي كان يمثل 99% من نسبة الواردات الغذائية للمملكة العربية السعودية حدث هذا في المملكة التي يغلب على أرضها الطابع الصحراوي الجبلي ولا يجري في أرضها نيل ولا فرات ولكن جرى فوق حبات رمالها عرق الإنسان([8]).

إنهم يعيبون على النظام الأسري أنه يساعد في زيادة عدد النسل لما فيه من استقرار وعلاقات طبيعية قائمة على الود والتفاهم ويعتبرون أن كل هذه الزيادة السكانية الناتج من استقرار الأسرة وتماسكها هي السبب المباشر وراء التخلف الذي تعيشه بعض ديار المسلمين ومن هنا زادت الهجمة على نظام الأسرة باعتباره نظام فطرة يؤكد إليه الإسلام وتقوم على أساسه روابط الأسرة وعلاقاتها ولكن الواقع أن الأسرة إن كانت السبب المباشر وراء الزيادة السكانية فهذه الزيادة السكانية ليست كلها مصائب كما يحلو لبعضهم أن يصورها فقط نحن نريد استراتيجية هادئة وهادفة تقوم على تأهيل كل هذه الأعداد المتناسلة ، هكذا يقول عبد القادر أحمد عبد القادر في كتابه الغارة على الأٍسرة المسلمة أن الأسرة الكبيرة أقدر على تحقيق الإنجازات العظيمة والقيام بالأدوار المؤثرة والخطيرة في مجالات الجهاد والسياسة وبناء الدول القوية.

الأسرة الممتدة إذاً والمتماسكة توفر عاملين من عوامل النمو الاقتصادي الأول هو زيادة الطلب على المنتجات والثاني توفير القوى العاملة بأسعار مناسبة. فأما الزيادة على الطلب فإنها تؤدي إلى زيادة أرباح المستثمرين فيزيدون من استثماراتهم وهكذا تتم دورة النمو عن طريق زيادة الطلب فزيادة في الربح فزيادة في الاستثمارات فزيادة في التنمية.

وأما توفير اليد العاملة فإن الأسرة توفر للمجتمع ما يحتاج من عمالة وطنية مدربة وبأجور مناسبة ما يساعد في رفع معدلات التنمية.

 أثـــــرها في  الحــــد من الانحراف والجريـــمة :قام    بوضع قائمة توضح الوظائف التي تقوم بها الأسرة وقد افترض أن هناك سبع وظائف أساسية تقوم بها وقد لخص هذه الوظائف فيما يلي ([9]):1-    الإنتاج الاقتصادي والمادي والخدمات الأساسية.2-    إعطاء الفرد مكانة اجتماعية.3-    تربية الصغار.4-    تنمية الاتجاه الديني عند الصغار.5-    الحماية.6-    تجديد النشاط.7-    الحب.

وعلى الرغم من أنه يمكن حماية ورعاية الطفل عن طريق المؤسسات الاجتماعية الأخرى إلا أن حماية ورعاية الأسرة أكثر فعالية وذلك لأن الأسرة مؤسسة اجتماعية تجمع بين الاستجابة الشخصية الحميمة والرعاية الاجتماعية المتماسكة وفي المجتمعات العربية الإسلامية نجد أن وظيفة الأسرة تمتد لتصل إلى روح الإنسان فتصقلها وتوجهها الوجهة السليمة التي تفق مع فطرته التي فطره الله عليها وإذا اتفق التوجيه الأسري مع فطرة الإنسان أدى ذلك إلى صلاح الفرد باستقامته وأمنه النفسي والاجتماعي وبذلك فإن وظيفة الأسرة في الإسلام إضافة إلى ما تقدم فهي تعتبر المنبع الذي يغذي الطفل بالعقيدة الصحيحة والفكر المشتق من القرآن والسنة النبوية.

 وقد أثبتت الدراسات بعضها تلو الآخر أن النمو السليم للطفل يعني وجود الأبوين أو من يحل محلهما بحيث يشعر الطفل بأنه محل رعاية واهتمام من قبل أبويه أو من يخلفهما وبعض الدراسات تناولت الحالات التي تعيش في المؤسسات أو تلك التي انفصلت عن الأم وقد تبين أن للحرمان من الأم أو الأب أو هما معاً له آثار مريعة جداً على شخصية الطفل تتضمن مجالات أساسية هي :-         الجوع الوجداني.-         الشخصية عديمة المودة ذات الميول العدوانية.-         الانطوائية والاكتئاب.

 وقد توصلت الدراسات إلى بعض النتائج المهمة نذكر منها ما يلي :-         أن خبرات الانفصال لفترة قصيرة واحدة التي تحدث في جو أسري صحي لا تترك آثاراً دائمة بل إن آثارها تزول بسرعة على الرغم من أن من المحتمل أنها تترك الشخص كتربة خصبة تتأثر بالأخطار المستقبلية.-         إن الحرمان الشديد الطويل الذي يبدأ مبكراً في السنة الأولى من الحياة والذي يستمر لفترة تصل إلى ثلاث سنوات يؤدي إلى نقص شديد في الجوانب العقلية وجوانب الشخصية المختلفة ونقص يبدو أنه غير قابل للشفاء. بينما الحرمان الذي يبدأ في السنة الثانية من الحياة يؤدي إلى آثار جسيمة في نمو الشخصية وآثار تصعب إزالتها بينما تزول الآثار التي تلحق الضرر بنمو الشخصية.-         أن الطفل أقل قدرة على تحمل نتائج الانفصال قبل بلوغه سن الخامسة.-         أن الآثار المترتبة على الحرمان أو الانفصال تتفاوت بتفاوت الخبرة وطبيعتها وطولها ومدتها ولعلنا ندرك بعد ذلك أهمية وجود الأسرة وتربية الأحداث في جو أسري مستقر.

إن الإنسان يكتسب عادة الأساليب السوية للسلوك والتفكير من خلال التفاعل الاجتماعي والاحتكاك بالآخرين وأن الأبوين هما في العادة الوكلاء الأوائل الذين يقومون بعملية التطبيع الاجتماعي ويمثلان أو خبرة للطفل وفي حالة العلاقات العائلية المناسبة فإن الطفل يستجيب للأبوين ويستجيبان له وهذا من شأنه أن يزيد العلاقة الشخصية القائمة بين الطفل وأبويه ويحدث ذلك حوالي الشهر الثالث من عمر الطفل.

كذلك فإن العلاقة بين الطفل وأبويه تعود إلى الجانبين بنتائج مدعمة تكون لدى الطفل اهتمامات أكبر بالاتصال بالآخرين وفيما يتعلق بشخصية الوالدين فيمكن القول أن سلامة شخصيته الأبوي تعد مؤشراً – إلى حد ما – على سلامة شخصية الأطفال ذلك أن للشخصيات غير السوية للآباء تأثير مباشر على شخصية الأبناء من حيث كونها سوية أو غير سوية.

من هنا يبدو واضحاً دور الأسرة في السلوك الإجرامي مؤداه أن الأسرة هي المسئولة الأولى عن ظهور مثل هذا السلوك وعن ظهور أي سلوك منحرف كما أن الأسرة كذلك مسئولة عن تكوين السلوك السوي ويأتي ذلك عن طريق تأثر الأبناء بطبائع الآباء. أو الحرمان الشديد لمدة طويلة ، أو عدم استقرار الأسرة وسيطرة المشكلات والخصومات بين الأفراد وهذا يستند إلى ما يؤيده من براهين وحجج منها:1-                أن المسئول  عن التكوين الوراثي للفرد هما الأبوان أي الأسرة وبالتالي فهما المسئولان عن تكوينه الجيلي والبيولوجي والفسيولوجي لذلك قال نبينا محمد × “ تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس “.2-                أن الأسرة هي أول مؤسسة اجتماعية تتلقى الطفل لإعداده وتنشئته طبقاً لمتطلبات المجتمع الذي تعيش فيه فشخصية الآباء ووجودهم وأسلوب تنشئتهم من المحددات الأساسية في ظهور وتكوين السلوك السوي للأطفال وعندما قال المصطفى × “ ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا “ كان يريد برحمة أن تكون سلوك ديناميكي تجعله يصل إلى الصواب وبالرحمة تمنعه من الخطأ والضلال.3-                الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع بعد الفرد وهذا يلقي عليها عبئاً كبيراً ذلك أنه إذا صلحت الأسر صلح المجتمع ولو حافظت الأسر على صلاحها أستمر المجتمع في صورة صالحة.4-                أن الأسرة هي المؤسس الاجتماعي الوحيدة التي تقوم على أساس عضوي وليس على أساس وظيفي وهذا يعطيها فرصة نادرة لتخفيف الضغوط النفسية والمادية على أفرادها.

 كـــيـــف استـــطاعــت الأســـرة أن تحــد من الجريـمة وانحــراف الأحــداث ؟

إذا كان التنظيم الأسري في أي مكان وزمان قادراً – إذا أدى وظيفته المطلوبة منه – على جعل السلوك الإجرامي المنحرف في أدنى درجاته ، فإن نظام الأسرة في المجتمعات المسلمة قد استطاع أن يؤدي وظيفته على نحو لا بأس به في هذا الميدان تشهد بذلك الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية التي تشير إلى ارتفاع رهيب في معدلات الجريمة بمختلف صورها في المجتمعات الغربية عاماً بعد عام مع كل تهاون وتحقير في شأن الأسرة ومع كل هجمة على كيان الأسرة ووظائفها في حين تنخفض المعدلات في المجتمعات التي لا تزال إلى الآن تحتفظ بدرجة كبيرة بضوابط وتشريعات الإسلام في تنظيم واحترام الحياة الأسرية والواقع أن الأسرة المسلمة استطاعت أن تحد من الحرية فيها من خلال عدد من التنظيمات منها :

* تنظيم الدوافع الجنسية:

وفي ذلك لا نقول إن الإسلام في نظامه هذا دعى إلى رهبانية وتبتل وحث على الإعراض عن الزواج كما فعلت بعض التشريعات القديمة والحديثة وإنما نظم هذه الغريزة ورشدها عن طريق الزواج وشدد على أن الزواج هو الطريقة الوحيدة لتصريف هذه الشهوة فيسرت سبل الزواج وجعلته عبادة بل الزواج في الإسلام هو نصف دين المرء ومن لم يستطع الزواج لأسباب مادية هو عضوية فعلية بالصيام فإن الصيام وقاية له من الوقوع فريسة الشهوة والاضطراب الجنسي والنفسي وفي المقابل شدد عقوبة الزنا وسن من القوانين والتشريعات ما يرهب منها وما يمنع الوقوع فيها.

* احتــرام الحيــاة الزوجـيــة وإجــلالها :

حث الإسلام على الزواج ووضع من الضوابط والشروط ما يكفل رعاية هذه العلاقة الزوجية فأوصى بحسن اختيار الزوج لزوجته والزوجة لزوجها وقرر حقاً لكلا الطرفين في قبول أو رفض الطرف الآخر وقرر بناء على ذلك حقوقاً وواجبات وألزم كل طرف بحقوقه وواجباته لأن ذلك هو قوام الأسرة المستقرة والمشاهد أن معظم الخلافات الأسرية التي تحدث الآن مرتبط بعوامل من العوامل منها : إما عصيان الزوجة أو نشوزها وإما بسبب إهمال الزوج مسئوليته تجاه زوجته وأسرته والخلاصة أن كل ابتعاد عن هذه الحقوق والواجبات وكل إهمال فيها يقابله مشاكل وصعوبات تواجه الأسرة كلها – الآباء والأبناء.

* الاهتـــمام بالطفــــولة:يظهر اهتمام الإسلام بالطفل حتى من قبل أن يولد فقد حث الإسلام على اختيار الزوجة التي ستكون أماً لطفل المستقبل لأنها المسئولة الأولى عن تربيته وتنشئته فإذا حملت المرأة وضع لها حقوقاً وسن لها أحكاماً من شأنها أن توفر للجنين أسباب الأمن وهو في بطن أمه فالحامل والمرضع تفطران وتقضيان وتطعمان وقد قال نبي الإسلام × “ إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم “([10]).

ثم قرر الإسلام للطفل حقوقاً تجاه والديه منها اختيار الاسم الحسن للطفل سواء كان ذكراً أو أنثى ، فحث على اختيار الاسم الطيب الحسن وترك الاسم الخبيث ثم قرر الرضاع للطفل لأن ذلك سبب استقراره النفسي وأمانة الغذائي وحدد ذلك بفترة سنتين ثم بعد ذلك الرعاية المتتابعة حتى يكبر فيبلغ السعي فيعلمه الوضوء والصلاة متتابعاً منذ السابعة من عمره ثم يضربه عليها في العشر من عمره إن لم يسمع كل ذلك التتابع ويفرق بين البنين والبنات في المضاجع لأن ذلك حماية للجانبين.

أثـــرهـــا في التنـــمية :

الأسرة الممتدة هي الإطار الأوسع في القدرة على القيام بوظائف الأسرة لكن ذلك لا يتعارض مع خصوصية الأسرة الزوجية الصغيرة وأهميتها ودورها في التوجيه ولا يتم الأداء الأفضل للأسرة الصغيرة ولا تكتمل فلسفتها إلا بإدراك التفاعل والتكامل بينها وبين الأسرة الكبيرة ، لقد بلغ من أثر الأسرة في التوجيه أن النبي × قال “ ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه “ والفطرة هي الإسلام ومعرفة الخالق سبحانه لكن الأسرة المنحرفة تنحرف بهذه الفطرة إلى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية وفي مقابلة صحفية مع الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله نشرتها مجلة الأسرة بعد وفاته مؤخراً كان يتحدث عن أثر الأسرة في توجيه الأبناء نحو بعض السلوكيات سواء السلبية أو الإيجابية فقال : “ كان جدي عليه رحمة الله لا يدخن فنشأت لا أدخن ونشأن أبنائي جميعاً لا يدخنون “ وكما يبدو أثر الأسرة في التوجيه إلى نبذ العادات السيئة فإنه يبدو كذلك في التوجيه إلى التمسك بالعادات الطيبة غير أن هذا الأثر يبقى قائماً إلى ما قبل سن الرشد عادة حيث تخضع سلطة الأسرة للعديد من المحددات التي تفسح للأبناء مجال الحرية في خياراتهم الشخصية فتكون سلطة الأسرة وقدرتها على التوجيه على الأبناء الراشدين لا تتعدى النصح والإرشاد فقط لأن عوامل التربية ومؤثراتها قد زادت وتعددت من الأسرة إلى المدرسة إلىالجامعة إلى الإعلام بمختلف صوره ووسائله إلى الأصدقاء والشارع والمناخ العام كل هذه أصبحت عوامل مهمة إلى جانب الأسرة في عملية التوجيه.

وتعد الأسرة سواء كانت ممتدة ( كبيرة ) أو زواجية صغيرة نموذجاً مصغراً للأمة وخصائصها تنعكس فيها القيم الأساسية التي تحكم حركة المجتمع وتسير أموره وتعد في الوقت نفسه الدعامة الأساسية واللبنة الجوهرية إذا رغب في توجيه الأجيال إلى سلوك معين أو تحذيرهم من سلوك معين إنها خط الدفاع الأول الذي يحمي المرء من كل الهجمات. إنها سر كلمة التربية التي تقترن بالطفل منذ نعومة أظفاره و إلى أن يصير عنصراً فاعلاً في المجتمع.خذ مثلاً الشورى .. إنها قيمة حقيقية وضرورية في حركة المجتمع يمكن تعلمها من وفي نطاق الأسرة والأسرة بذلك هي ميدان لممارسة هذه القيمة لأنها تعتبر من القيم الأساسية والمهمة في العلاقات داخل الأسرة قد يُظن أن الشورى قيمة خاصة بالإمام فقط أو الخليفة أو ولي الأمر أو يُظن أنها سمة من سمات المجتمع الإسلامي – الدولة – فحسب ، بل إن الشورى أيضاً منهج للتعامل داخل الأسرة ، إذ القاعدة في نظام المنزل الإسلامي “ هي التزام كل من الزوجين بالعمل بإرشاد الشرع فيما هو منصوص عليه والتشاور والتراضي في غير المنصوص عليه ومنع الضرر والضرار بينهما وعدم تكليف أحدهما بما ليس في وسعه “([11]).

كما أن الشورى ليست بين الرجل والمرأة ( الزوج والزوجة ) فحسب فيما يتعلق بمستقبل الأسرة وإنما الواجب أنها تتم بين جميع أفراد الأسرة بين الأبناء والآباء والأجداد إن وجدوا حتى تستفيد حتى تستفيد الأسرة من خبرة الكبار وكذلك من حماس الشباب وحين يتعود الصغير على أن يدلى بدلوه في بعض الأمور الصغيرة ويناقشها ويشارك بالرأي والمشورة فيها فإنه يكون خطى خطوة كبيرة في اتجاه التخطيط واتخاذ القرار والتزام المسئولية وعلى سبيل المثال يمكن استشارة الناشئ في ميزانية الأسرة بحيث يتم له التعرف عن قرب على دخل الأسرة الشهري أ والسنوي ويعرف حجم الإنفاق الشهري أو السنوي هنا يدرك أنه عليه أن يقوم بمهمة في زيادة دخل الأسرة أو يتنازل عن بعض ما يحتاج من أشياء كمالية يمكن الاستغناء عنها من غير مشقة عندئذ يكون الطفل قد اكتسب قيمة مهمة في حياته من أين ؟ من الأسرة وفي المقابل فإنه يكون قد تخلص من صفة سيئة هي تماماً عكس الشورى إنه حينئذ تخلص من الأثرة والأنانية وحب النفس أو الإحباط.

الأسرة إذا هي المسئولة عن توجيه الناشئ إلى مبدأ عقدي أو فكري أو ثقافي معين أو صرفه عن مبدأ عقدي أو فكري أو ثقافي وقد سبق وأشرنا إلى الحديث الذي يؤكد أن المولود يولد على فطرة الإسلام وبلغ من أثر الأسرة في توجيهه أن الأسرة تهوده أو تمجسه أو تنصره بحسب ما ترغب هي في توجيهه إليه إما عن طريق الأب أو الأم أو كليهما معاً.

وسوف يكون من المناسب أن نعرض لحالة الأسرة الفلسطينية ، كيف كانت شراسة الهجمة اليهودية عليها وكيف استطاعت أن تصمد أمام هذا الهجوم ، فالمعروف أن الأسرة الفلسطينية. وهي نموذج للأسرة الممتدة – هي الرافد الأول للانتفاضة ويأتي دور المؤسسات السياسية والجامعات واللجان الشعبية بعد ذلك – وقد كانت الأسرة الفلسطينية هدفاً مباشراً للعدو الصهيوني استعمل معها أساليب التجويع والتشريد والتفتيت وإلحاق الأضرار المتكررة بها من خلال التضييق والغزو الفكري، فقد استطاعت الأسرة الفلسطينية مع كل هذه الضغوط وتلكم التحديات أن نقوم بوظائف الدولة في ظل غياب جهاز الحكم الفلسطيني الذي يمثل قيمها وثقافتها وحضارتها بل إن الذي يهيمن على مقاليد الحكم نظام معاد ، غريب ، هو النظام الصهيوني.لقد عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى غزو الإنسان الفلسطيني نفسه في الثقافة والعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والأخلاقية ، كما قام بربط الإنسان الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي بعد أن استحوذ على أرضه ونزع ملكيتها منه كل ذلك مهد لسيادة وانتشار الثقافة والقيم المادية وفي نفس الوقت سعى الاحتلال إلى تفكيك العلاقات الأسرية وتوفير فرص ومجالات عديدة للعمل مع الشباب اليافع مما زاد من معدلات التسرب بين المدارس وهدد بتكوين جيل جاهل وغير واع تسهل الهيمنة عليه وقد روجت سلطات الاحتلال ثقافة السلوك الاستهلاكي وأقامت عوائق أمام الصناعات الأهلية في القطاع المحتل واستغلت حاجة السكان كسوق استهلاكي لتصريف السلع والمنتجات الإسرائيلية ومصدراً جيداً للعمالة الماهرة والرخيصة. وفي مجال التعليم، حدث ولا حرج ، فقد كان الحرمان من التعليم هو أقسى العقوبات التي فرضت مع الشعب الفلسطيني وعمد الاحتلال إلى تغيير المناهج الدراسية التي تتعارض مع السياسة الإسرائيلية واستبدلت بها مناهج منسجمة مع الفكر والتوجه الإسرائيلي ، وألغت سلطات الاحتلال الجغرافيا والتاريخ الخاص بفلسطين العربية وهويتها الإسلامية كل ذلك من أجل تشويه وعي الجيل الناشئ من الفلسطينيين بهويته وحضارته وكان أسوأ ما عمدت سلطات الاحتلال إلى فعله هو قرارها بإبعاد عدد كبير من العلماء والأكاديميين الأكفاء([12]) فماذا فعلت الأسرة  ؟ففي مجال التعليم لجأت الانتفاضة إلى ما يسمى بالتعليم الشعبي الذي ينتظم في المنازل والمساجد أو أي مكان عام يمكن التواجد فيه من دون التعرض لتجريم ذلك الفعل من قبل سلطات الاحتلال ، ذلك أن الانتفاضة لم تلجأ إلى المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني ولكنها في الوقت نفسه لم تركن إلى الذل والاستسلام ، كانت المواجهة تعتمد على التصعيد الأفقي وليس التصعيد الرأسي ، وحينما عمدت سلطات الاحتلال إلى مداهمة الأماكن العامة  كانت الأسرة في المنزل هي المؤسسة التعليمية التي تقوم بالتثقيف والتوعية والتعليم وقد تجلى ذلك تضامناً في الأسرة الفلسطينية وتعاوناً بين أفرادها وقد ظهرت أشكال جديدة من التضامن والتكافل الاجتماعي مثل تنازل أصحاب المنازل عن إيجارا تهم وتقديم الحرفيين كلهم جهودهم بدون مقابل لدعم الانتفاضة، وأقام الأطباء والممرضين عيادات في قرى عديدة تقدم خدمات طبية بدون مقابل ، وعاد الفلسطينيون إلى الأرض وطرق العمل التقليدية فعادوا إلى الذات ، وتمكنوا من تحمل آثار الحصار الذي كانت تضربه حول القرى التي أعلنت نفسها مناطق محررة وفي قطاع الإنتاج عمدوا إلى إنتاج ما يحتاجونه فعلاً وما هو ضروري لحاجتهم فانتشرت تربية الدواجن والأرانب والغنم([13]).

كل هذه التحولات التي شاهدتها الساحة الفلسطينية لم تكن لتتم لولا بنية الأسرة الممتدة في هذا المجتمع وهي بنية مكنتها من الفاعلية في وجه الاحتلال ، إذ كانت الأسرة هي الجبهة التي تزود الانتفاضة بعنصر الإنساني من خلال ارتفاع نسبة المواليد في المجتمع الفلسطيني يحفظه ( ديمغرافياً ) من الإبادة ، وقد ظلت الأسرة الفلسطينية هي الوحدة الاجتماعية الوحيدة التي لم يفلح العدو في إغلاقها رغم انتهاكه الدائم لحرمتها ومداهماته المستمرة لها وكان للأسرة دور كبير في تصحيح وعي الطفل والشباب الفلسطيني بقضية وطنه وضرورة مشاركته في تحريره وقد ترجمت الأسرة الفلسطينية بأدائها المتميز وظائف الأسرة جميعاً سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.

 مستقبـــل الأســــرة :

من الثابت لدى الدارسين والباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية أن الأسرة المعاصرة قد فقدت كثيراً من وظائفها وآثارها وفي كل يوم تتطور وظائفها إما بالزيادة أو النقصان حسب درجة تطور المجتمع وهي لم تفقد ولن تفقد وظائفها وآثارها مرة واحدة بل كان ذلك على مراحل متعددة وبشكل تدريجي كما أن هذا الفقدان لم يحدث بدرجة واحدة في جميع الأمم والشعوب بل اختلفت أشكاله وأدواره باختلاف الأمم والشعوب في ثقافاتها وعقائدها.

 وفي الربع قرن الأخير ظهرت مجموعة من المعوقات المؤثرة في وجود الأسرة وقيامها بدورها بعض هذه العوامل مرتبط بتطور النهضة الصناعية وضغوط الحياة المعاصرة وبعضها مرتبط بانتشار الفساد والاختلاط وإباحية الزنا خصوصاً في المجتمعات الغربية والتي انتقلت بدورها إلى المجتمعات المحافظة أو شبه محافظة على اعتبار أن العالم اليوم صار قرية صغيرة وما يحدث في الشمال تنقل أخباره في نفس اللحظة إلى الجماهير في الجنوب وما يحدث في الشرق يسمع صداه في نفس الوقت في أقصى الغرب.

 فالحياة الحضرية وما صاحبها من تطور في مهام الإنسان والضغوط الحياتية المحيطة به والتي أدت إلى خروج المرأة للعمل وحرصها عليه ومنافستها للرجل وإعطاء أولوية للعمل خارج المنزل وما يتبع ذلك ميل إلى الفردية وعدم الشعور بالمسئولية إلا عن النفس كل ذلك أدى إلى – في بداية الأمر – انخفاض عدد أفراد الأسرة وفي مرحلة تالية أدى إلى ضعف الرغبة في تكوين الأسرة أو الانتماء لها وتبين من خلال دراسة إحصائية للأسرة الإيطالية فإن الشعب الإيطالي مهدد بالانقراض ويتوقع خبراء السكان بأنه خلال مائة عام سيهبط عدد السكان هناك من 57 مليون إلى 19 مليون نسمة فقط وتعزوا الدراسات هذا الانخفاض إلى ارتفاع عدد النساء العاملات في إيطاليا 37% من إجمالي قوة العمل وارتفاع تكاليف دورة الحضانة وتجاوزها لإمكانيات كثير من الأسر وقد ثبت أيضاً أن الخوف من الفصل من العمل يشكل سبباً جوهرياً لإعراض كثير من النساء عن الحمل وبالتالي الإنجاب. وهكذا فإن الأسباب تتكالب – المادية والحياتية – لحرمان المرأة من حقها في الأمومة وتكوين الأسرة.

 انتشار الاختلاط والفساد وإباحية الزنا لا يمنع قيام أسر جديدة فحسب وإنما يهدد الأسر القائمة لأن الاختلاط والفساد ينخر في مقومات الأسرة ويقوض أركانها بل الاختلاط وإباحية الزنا في كثير من المجتمعات المعاصرة كان سبباً مباشراً في انهيار كثير من الأسر القائمة وقد ثبت أن حدوث حالات الطلاق وهدم كثير من الأسر كان يرجع إلى الانحراف الخلقي والخيانة الزوجية سواء من الزوج أو الزوجة أو كليهما معاً.

 المــؤتمــــرات الــــدوليـــة والــــدور المشبــــوه :

في أقل من عام 94/90 تم عقد مؤتمرين كبيرين ضما تقريباً وفوداً من معظم دول العالم كان الأول في القاهرة تحت عنوان ( المؤتمر الدولي للسكان والتنمية ) والثاني في العاصمة الصينية ( بكين  ) وعقد تحت عنوان ( مؤتمر المرأة ) ويبدو للوهلة الأولى أن هذه المؤتمرات ترفع قضية التنمية وتربطها بالنمو السكاني الرشيد ثم تهتم بالمرأة والأسرة من حيث تعليمها وتثقيفها وإعدادها للقيام بدورها ومسئولياتها لكن المتابع لمثل هذه المؤتمرات يدرك من غير جهد كبير أن الثقافة الغربية التي غرقت حتى آذانها في الوحل تريد بآلياتها وأدواتها أن تهيمن على العالم والكون فتفرض عليه ثقافتها ورؤاها للكون والحياة تحت ما يسمى بوحدة الثقافة الكونية ما جعل سيدة هندية تصرخ بأعلى صوتها في قاعات مؤتمر القاهرة وتقول “ هذا مؤتمر عجيب ! لا نسمع إلا عن الإجهاض وتنظيم النسل والصحة الجنسية .. أولادنا جائعون ، لا يشربون مياهاً نظيفة ولا يذهبون إلى مدارس .. ويفتقدون إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية ، ولا يتحدث أحد في هذه الأمور ، إنه مؤتمر تنظيم النسل فقط ولا علاقة له بالتنمية “ . تلك هي رسالة المؤتمرات المشبوهة التي دأب الغرب للترويج لها وبث أفكارها وبرامجها في رؤوس وأفكار الناس، إباحة الإجهاض ، تحديد النسل وهدم القيم الأخلاقية وتقويض أركان الأسرة ، ففي أمريكا تغتصب امرأة كل ستة دقائق وأكثر من 50% من الأمهات المراهقات يلدن من غير علاقة زوجية ونسبة العلاقات الجنسية خارج نطاق الزوجية يفوق كل تصور ، هم يريدون الدنيا كلها كذلك ، لقد غرقوا في الوحل ويريدون أن يغرق الجميع.

 مؤثــرات تربــوية وتوجيــهية أخـــرى :

ذكرنا أن الأسرة في الماضي ربما كانت أهم عوامل التوجيه والتربية وربما كانت العامل الأهم فيها جميعاً وقد تعددت عوامل التربية بعد نشأة الدولة وسيطرتها على وسائل التوجيه والرعاية ، فقد انتزعت الدولة الحديثة معظم الإمكانيات التي كانت متاحة للأسرة فيما مضى فأصبحت المدرسة والجامعة ومراكز  البحوث والدراسات من عوامل التوجيه والتربية والصحبة ( الأصدقاء ) والشارع والرأي العام والإعلام بوسائله المختلفة من إذاعة وتلفاز وجرائد ومجلات وكتب ودوريات أصبحت من عوامل التأثير.

 وعلى الرغم من كل ذلك فإن قناعتنا هي أن الأسرة باقية وستبقى على الرغم من كل ذلك وبالرغم من كافة الهجمات الشرسة والسهام الموجهة إليها سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة لأن عوامل بقاء الأسرة أقوى بكثير من عوامل فنائها ، إنها الفطرة والديانات السماوية التي تقف وراء كل فضيلة ومنفعة للإنسان.

 وقد تأثرت الأسرة في الغرب بكل هذه التيارات الفكرية الهدامة واستجابت العقلية الغربية لموجات التحرر والتفكك والانسلاخ من مسئولية الأسرة ولم يعد خافياً آثار ذلك على الأسرة وعلى الأجيال وهو ما يمكن للمتابع رصده بسهولة.-         انخفاض عدد الشباب وازدياد عدد المسنين .-         انخفاض عدد المواليد أحياناً عن أعداد الوفيات.-         انخفاض معدلات الزواج في أوساط البالغين في الجنسين.-     ميل نسبة كبيرة من الأزواج إلى عدم الإنجاب أو تأخيره وقصره على أقل عدد ممكن من الأطفال.

 وهذا ما جعل كثيراً من العقلاء في الغرب يحذرون قومهم بأن هذه الظواهر هي بداية انهيار الحضارة الغربية وفي الوقت نفسه يدعونهم إلى العودة إلى الأسرة وإلى الحفاظ عليها ما جعل أحدهم يدخل الانتخابات ويخوض المعركة الانتخابية وهو يرفع شعار  “ الأسرة والقيم “ .

 الخــــــاتــمة

إن الأسرة هي اللبنة الأولى في البناء الاجتماعي وهي ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض من لدن آدم وحواء عليهما السلام وإلى أن يشاء الله وهي أيضاً مجتمع صغير يمكن من خلاله فهم طبيعة المجتمع القائمة فيه لأنها كوحدة بناء في المجتمع تؤثر فيه وتتأثر به ولا نبالغ إذا قلنا أن معظم المشكلات الاجتماعية وحلولها يمكن أن نربطها بعوامل مرتبطة بالمواقف الأسرية ولا يمكن أن نتصدى للمشكلات التي تواجه المجتمع من غير أن نبحث في مشكلات الأسرة ونقوّمها وقد مرت الأسرة بعدد من مراحل التطور سواء في شكلها أو حجمها أو وظائفها وكان من الطبيعي أن تختلف آثار وظيفة الأسرة بحسب مرحلة تطور المجتمع فقد كانت للأسرة آثار كبيرة حينما كانت الأسرة كبيرة وقبل قيام الدولة المعاصرة فقد كانت لها آثار تربوية واقتصادية وسياسية كبيرة ومع ظهور الدولة وسيطرتها على وسائل توجيه الرأي العام انخفض دور الأسرة إلى حد ما وانخفض تأثيرها لا نقول أنه قد تلاشى تماماً ولكن نقول أنه الأسرة قد تقلص دورها في جانب إلى حد ما وزاد في جوانب أخرى على أن الأسرة الممتدة القوية يمكن أن تؤدي أثراً كبيراً في النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وإذا كانت هناك بعض الدراسات التي تنذر بزوال الأسرة وانتهاء دورها فنحن مع الذين يبشرون بأن الأسرة باقية عن رغم كل المحاولات التي تريد أن تهمش أثرها لأن فناء الأسرة مرهون بفناء القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة والجدير بالذكر أن هناك دعاوى كبيرة تقال بصوت مسموع كلها تدعوا إلى العودة إلى الحفاظ على الأسرة ودراسة وتحليل كافة المشاكل التي تعترضها ومطلوب من الباحثين والدارسين أن يكون لهم أثر في ذلك ، فإنه لا يوجد تشريع أرضي ولا سماوي دافع عن الأسرة ووضع لها مقومات وضوابط مثل ما فعل الدين الإسلامي ورسوله محمد × وقد بلغ من تأثير الأسرة في الفرد – من وجهة النظر الإسلامية – أن الرسول × يقول “ ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه “ من هنا فقد عني الإسلام بالأسرة عناية كبيرة بداية من اختيار الزوج لزوجته وتربية الأبناء ورعايتهم وتأهيلهم للقيام بدورهم في الحياة ذلك لأن الإنسان عادة ما يكتسب الأساليب السوية للسلوك والتفكير من خلال تفاعله الاجتماعي واحتكاكه بالآخرين وأن الأبوين هما الوكلاء الأوائل في القيام بهذه العملية وحسب ما فيهم من قيم وسلوكيات فإنه يكتسبها سواء كانت سلوكيات وقيم إيجابية أو سلوكيات وقيم سلبية.

فالأسرة مسئولة إذاً عن سلوك أفرادها سواء كان سلوكاً إجرامياً أو كان سلوكاً سوياً وقد استطاعت الأسرة المسلمة بما لديها من آثار الإسلام وأخلاقياته أن تبث كثيراً من القيم الإيجابية التي يدعو إليها الإسلام ويحض عليها وقد بدت آثار ذلك في انخفاض معدلات الجريمة في الدول العربية والإسلامية من مثيلاتها في العالم الغربي الذي عمد منذ فترة على الانسلاخ من روابط الأسرة وضوابطها ومقوماتها الأمر الذي أدى بالناس إلى عدم الاطمئنان على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ).

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.