وفاء للمالك

المالك الأستاذ الذي ندعو له 

أ.د. إبراهيم بن مبارك الجوير 

عندما هاتفني الصديق الدكتور منصور بن سليمان المالك الاستشاري في مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني، وأخبرني أن أستاذي معالي الدكتور صالح بن عبد الله المالك، سيعود إلى أرض الوطن من أمريكا حيث يتلقى العلاج هناك لم استغرب الخبر من خلال متابعتي لحالته الصحية بعد معاناته من مرضه الأخير سواء مباشرة من معاليه أو من خلال السؤال الدائم عنه من الدكتور منصور، ومع هذا فقد كان وقع النبأ علي ممزوجا بفرحة العودة والخوف من العودة نفسها لأني وددت عودته سليما معافى ولكن عودته في حد ذاتها مبعث أمل وفرح، ولقد عانى وصبر، ولكني أود أن أتحدث عن ظاهرة علمية فريدة، أتحدث عن عالم فذ في معارف وعلوم متعددة، عن عالم الاجتماع وهو العلم الذي نال فيه شهادة الدكتوراه من جامعة متشجن – أناربر، ولكنه كان عالما في الشريعة والاقتصاد والسياسة والتاريخ والجغرافيا والرياضة والفلك والحساب واللغة العربية والإنجليزية وأديباً يتذوق الأدب بفنونه، وباحثاً في العلوم كلها، عن الأستاذ الموجه المتواضع الحكيم الذي تجد عنده الحلول لكثير من المشكلات، عن المتحدث اللبق الذي يثري الحوار علما وأدبا وفنا ومتعة، لقد كان معالي الدكتور صالح أول أمين لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأفدت منه كثيرا عند تعييني معيدا في الاجتماع، ثم كان وكيل وزارة البلديات والشؤون القروية فكان ذلك الوكيل المتخصص حيث كانت رسالته في علم الاجتماع الحضري عن مدينة الرياض المدينة التي تعادل في حبها مسقط رأسه (الرس) وجئت إليه طالبا النصح والمشورة عندما كنت أبحث عن موضوع لرسالتي للدكتوراه فكان نعم الأستاذ والموجه، لم يبخل علي بالرأي والتشجيع والتوجيه، ثم بعد أن ترك الوزارة استقطبناه في قسم الاجتماع لنفيد من علمه وخبرته فلم يأنف ولم يتكبر بل تراه ذلك الأستاذ الجاد المثابر الذي يحمل حقيبته ويدرس لطلاب المرحلة الجامعية، ولم يقل أنا أستاذ الدراسات العليا في الجامعة لأنه يعرف أنه لا يوجد في الجامعات تصنيف يصنف هذا الأستاذ للدراسات العليا وآخر للدراسات الجامعية، ولحبه للبحث والعلم أسس مركزا للبحث العلمي لم يستمر فيه لأنه أصبح عضوا في التشكيل الأول لمجلس الشورى في تشكيله الحديث واستمر فيه لثلاث فترات وهي أقصى مدة يمكن أن يمكثها العضو ثم صدر الأمر الملكي الكريم بتعيينه أمينا عاما للمجلس بالمرتبة الممتازة، إنه ذلك الداعية بخلقه وتواضعه وعلمه، لقد علمت أنه عندما كان في المستشفى الذي مكث فيه فترة في أمريكا وعلى الرغم من معاناته من المرض الخطير، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه يقول عن السرطان لا تقولوا المرض الخبيث ولكن قولوا المرض الخطير، كان في المستشفى يجيب عن الاستفسارات ويشرح للمرضى والأطباء والممرضات والزوار مبادئ الإسلام وتعاليمه وقيمه، ويتحدث عن بلاده باعتزاز ومعرفة، وإذا سئل عن سؤال ظن السامع له أنه لم يتخصص إلا في موضوع السؤال مما تحويه الإجابة من تفاصيل ودقة وأدلة، تهاتفه هناك لتطمئن عليه، ويبادرك بأريحيته المعهودة بالسؤال عنك وعن أولادك وأسرتك وعملك والزملاء والأصدقاء والأحوال سؤال المتابع المشتاق الذي يتجلد ليريك كم هو بخير وصحة وبه ما به، إنه نموذج فريد من الرجال، أنا لا أمدح فالرجل ليس بحاجة إلى مدح وإنما بحاجة إلى دعوة صادقة في ظهر الغيب بأن يجمع الله له بين الأجر والعافية، إنما أكتب لأخفف عن نفسي ألمها كلما زرته ورأيت ما يتحمله الرجل من آلام ومع هذا يستقبلك بكل بشاشة وأريحية ويناقش في العلم والرياضة والفكر والسياسة والتخطيط، وكأنه يقول لك بلسان الحال الذي يمرض ليس الجسم وإنما القلب أو العقل أو الفكر وهو يتقد فكرا وعطاء إنني أخط مشاعري كتابة وفي القلب دعوة ودمعة وأمل ولا نقول إلا (أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما) وإنا إلى علمك وفضلك وجلساتك يا أبا هشام لمشتاقون. 


المصدر جريدة الجزيرة العدد 12935 الاربعاء 20 صفر 1429

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.