رسائل إلى الابن مبارك5

بسم الله الرحمن الرحيم 

قطعة من ذاتي

ابني الغالي جداً/ مبارك

*السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أدعو الله أن تكون بخير وفي خير وإلى خير وبعد

إلى من أكتب إلى روحي ، إلى قلبي ، إلى هيامي ، إلى الأنس ، إلى  ابني الحبيب ، إلى البسمة الندية والأفق الأرحب ، إليك أكتب نبض قلبي ، وألمي الذي يعتصر ، أكتبه إليك حروفا من أمل وألم ورجاء، من خوف ورهبة وتفاؤل ، من ثقة بلا حدود .

أكتب إليك وأنت تغادرنا إلى مكان بعيد ، ولمدة طويلة وأنا الذي لا أحتمل أن تبتعد لو فترة ساعات ، لو تأخرتً قليلا لم أنم حتى أطمئن أين أنت؟ وكيف أنت ؟، ومتى تعود؟ ، أهانت علي نفسي أن أسعى بنفسي لكي تبتعد عنا بجسمك ، ,أن نوصلك للمطار بأنفسنا، وأن يرافقك مهجتي الأخرى ، أخوك الدكتور أيمن ، ليطمئننا وليطمئن عليك  ولنقلق عليكما ونشقى بغيابكما ، أعادكما الله غانمين سالمين ، لقد سافرتُ قبلك مثل هذا المشوار فلم يكن هينا علي ولا على والدي ، وسافر أخوك المشوار نفسه فكانت تجربتي تجربة أب يشقى لسعادة ابنه ، وعدتُ وعاد ، ونأمل من المولى القدير أن يعيدك موفقا محفوظا بمنه وكرمه ، لقد كتبت إلى أخيك رسائل من قلبي إلى قلبه وكانت تلك المشاعر التي كتبتها لا تعبر عن مشاعري وحدي ولكنه مشاعر أم مكلومة ، وأخ وحدًه ، وأخوات يتطلعنً إلى طلعته البهية ، واليوم أكتب إليك أنت وأنت الذي عشت كل نبضة في بعد أخيك وتعرف الأمل والألم ، الصبر والتصبر ، والمعاناة والآمال ، الثقة وماذا تعني ، التوكل على الله القدير والاحتساب، تدرك أيها الغالي أنني مهما أردت أن أكتب لك نصيحة أو نصائح فقد سمعت مني ، كثيرا وعشت معي كثيرا وتعرف ما أود أن أقوله لك قبل أن أقوله ، تدرك أيها الحبيب كم نحن جميعاً بدون استثناء نحبك ، هل أتحدث عن أمي ولا تزال تحاول أن تثنيك عن عزمك وتطلب مني أن أفعل ، وتسرع دمعتها قبل أن تتكلم ، أو أتحدث عن أمك الرءوم التي لم يكن من السهل عليها أن توافق على ذهابك لولا ثقتها بربها وتوكلها على الحي الذي لا يموت ثم ثقتها فيك وفي إيمانك وصلابتك وقدرتك وعزيمتك ، أم أتحث عن أخواتك وما تعني لهم وجودا وغيابا ، أو أتحدث عن أخيك وكيف حرصه عليك أملا وخوفا وحبا ، أم أتحدث عن الصغار؟ ماذا أجيبهم إذا سألوني أين خالي؟ أين عمي ؟ أم عن جدك وجدتك ،وسؤالهم عنك وسؤلك عنهم ، أم عن أعمامك وعماتك أم عن خالك وخالتك أم الأقارب والأحباب، أم  عن أصدقائك وهم كثر ، أم عن البلد الذي عشقته وأحببته وعندك من الولاء له والانتماء له ما نفخر به ،أما أبوك المسكين فالله سبحانه أعلم بحاله ، إنه يود لك الخير والعلم والتقدم ، ويود أن تكون بجانبه لا تفارقه ، يثق بك ، ويخاف عليك ، مشاعر متناقضة يحملها تزيد من آلامه وآماله ، وأنت قادر على أن تجعله يفخر بك ويسعد ،  سيكون لك فقد كبير وستترك فراغا هائلا لن يملأه أحد لأن لكل مكانته ، أما مكانك أنت فلك وحدك أيها العزيز .

أعلمُ أنك حاولت جهدك أن تكمل دراستك هنا، ولكن الخير فيما يختاره الله )

وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216)

والإنسان يمضي في الحياة بإرادة الله وتحت مشيئته ، والمؤمن يرضى بما قسم الله له ويعتبر أن ذلك جزءا من الامتحان له في الدنيا ، وأنت كنت بين أهلك وذويك في رعاية ربك ثم والديك واليوم أنت في رعاية المولى جل وعز ثم مواجهة نفسك إما تكون أو لا تكون ، وهي مواجهة حقيقية وصعبة وبخاصة في البداية ، ستشعر بالوحدة والغربة ، وصعوبة اللغة وصعوبة التأقلم ، وقلة الزاد، وندرة المخلصين ، ولكن إيمانك بربك واعتمادك عليه ، وتسلحك بالذكر وقراءة القرآن ، والمحافظة على الصلاة في وقتها ، والصبر والجد والمثابرة كفيل بعون الله أن تكون الأمور على ما يرام بإذن الله ، واعلم أن لدي بعض الومضات السريعة التي أود أن أسطرها لك للتذكير وأنت تعرفها جيدا :

  • من طلب العلا نام الليالي ، كثير من الطلاب يفشلون في البعثة أو الدراسة لأنهم يسهرون كثيرا فيتأخرون أو يتخلفون عن حضور المحاضرات وإذا حضروا فبرؤوس أثقلها السهر فلا تركيز ولا يدرون ما يدور حولهم .
  • الإصرار عزيمة الأقوياء : مهما تعترضك من مصاعب فهي مصاعب طبيعية ، فلا بد دون الشهد من إبر النحل .
  • لا تستسلم بسهولة بل لا بد من المثابرة، وكل الناجحين عبر التاريخ مرُت بهم حالات إحباط وفشل وكرروا التجربة بل التجارب حتى تحقق لهم النجاح وعندها فقط ينسى المرء تلك الحالات أو المحطات، وتذكر أن كل ضربة لا تميتك تقويك.
  • الشخص الناجح هو من يعرف قيمة الوقت ، وإذا كان المرء في بلده وبين أهله وذويه قد يتساهل في قيمة الوقت ، فإنه في الغربة يدرك أن النجاح يعني الزمن أو الوقت يعني الحياة .
  • لا تؤجل عمل اليوم إلى غد ، ما يطلب منك بعد يومين اعمله الآن ، وكن في سباق مع نفسك لأنك بذلك ترتاح من أن تضغط نفسك ويكون فهمك  مركزا وعملك أكثر جودة .
  • لا تخجل من الخطأ واعلم أن الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل ولا ينتج أما الذي يعمل فقد يخطئ وخير الخاطئين التوابون واستفد من الخطأ في تدارك الأمر .وكن جريئا في التعلم ، وأسأل عما لا تعلم ، واعلم أن اللغة أساس التعلم فإذا أعطيتها أعطتك .
  • تذكر أنك ذاهب إلى بلد له قيمه وقوانينه وأعرافه، وإذا أردت أن تحترم فلابد من احترام نفسك، ثم تلك القيم والقوانين والأعراف. وهذا لا يخدش كرامة الإنسان بل يزيد من قيمته.
  • تذكر أنك مسلم مؤمن ، وسعودي وهذا يعني أنك لا تمثل نفسك وحدها هناك بل كل تصرف حسن أو سيئ يحسب لك أو عليك  أو لدينك وبلدك أوعليهما ، راقب ربك وأعلم أنه مطلع عليك في كل أمر ، وأنك مهما أخفيت من خلة على أحد فلا تخفى على عالم السر والنجوى .
  • هناك ثلل كن حذرا  فما كل من ابتسم في وجهك صادقا معك، ولا كل من أبدى الحرص حريصا ، ولا كل من أظهر الإخلاص مخلصا،ولا كل سعودي يستحق أن يحمل هذا الشرف،  تعامل مع الجميع بخلق حسن ، ولكن كن نفسك ولا تمل مع هذا أو ذاك ,    وتذكر قول الشاعر:                    وصرت أشك فيمن أصطفيه    لعلمي أنه بعض الأنام

ولما صار ود الناس خبا         جزيت على ابتسام بابتسام

  • النقاط كثيرة والومضات أكثر،  وبودي أن أستمر في مناجاتك ولكنه بوح القلب لحبيب القلب ، اعذرني أن أطلت عليك أو ظهر في بوحي نوعا من التوجيه المباشر أو الخوف عليك فليس إلا بوح أب محب خائف واثق راج ، يفضفض عبر الرسالة ما يخفف به  من معاناته ويجد سلوى في مناجاتك لعلها تشفي بعض ما يجد من غصة في حلقة أو دموع شرق بها حتى كادت تشرق به
  • أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك ، إذا استعنت فاستعن بالله وإذا استعذت فاستعذ بالله ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا ذكرته في ملأ ذكرك في ملأ خير منهم ، والأذكار حصن المسلم ، فلا تنسى أذكار الصباح والمساء والخروج  والدخول وركوب السيارة أو الطائرة أوالقطار أو السفينة أو غيرها من الأذكار.
  • أدعو لك أن يحفظك الله ويوفقك ويتم عليك نعمه ظاهرة وباطنة وأن يعيدك إلينا  سالما عقديا وفكريا وسلوكيا وعلميا وعقليا وجسميا ،غانما موفقا ،ولا تنسانا من دعواتك فدعوت المسافر قمن أن تكون مجابة ، واسلم وسَلم ولك قبلاتي يا حياتي  والسلام عليك يوم تسافر ويوم تصل ويوم تعود وما بينهم.

أبوك المخلص

إبراهيم

الأربعاء 27/12/1427هـ

17/1/2007م

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.