رسائل إلى الابن مبارك6

بسم الله الرحمن الرحيم

ابني العزيز مبارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أدعو الله أن تكون بخير وفي خير وإلى خير وبعد ،،،،،،،،،

أكتب إليك من غرفتك ، من البيت الذي تسكنه في غربتك ، من البيت الذي لن يعوضك دفء بيتك هناك في بلدك ولكنه يؤيك في بعدك ، أكتب إليك بعدما عشت معك أياما قليلة في أمريكا حيث تدرس ، وقد اطمأنت عليك أكثر، كما أني واثق بك والثقة لا تتجزء ، أكتب إليك بعدما أكرمتني كثيرا ، وأتعبتك كثيرا ، وأسعدتني بمعرفة زملائك الكرام من مختلف الجنسيات وبخاصة من أبناء بلدنا الحبيب ، وخليجنا المعطاء ، و عالمنا الرحب ، أكتب إليك بعد جولة عبر ولايات متعددة فقد حططت رحالي أول الأمر في قنزفيل فلوريدا حيث المدينة التي تحتضن جامعة فلوريدا التي نلت منها الدكتوراه فكان لقاء تجددت فيه الذكريات واللقاءات ، ولكن الوجوه في أكثرها غير الوجوه ، ورغم أن الجامعة هي الجامعة والمكتبة والقسم والمباني ولكن تلك الأيام أيام الطلب أيام كنت أحمل حقيبتي فوق أظهري وأتجول على قدمي أو على الدراجة العادية بين المباني والقاعات والمكتبات ، ونشاطات الطلبة ، هي غير الجامعة التي تزورها بروفسورا معك مرافقين وأدلاء واجتماعت رسمية لقد تذكرت قول الشاعر :

وما حب الديار شغفن قلبي        ولكن حب من سكن الديارا

لقد ذهبت إلى البيت الذي كنا نسكنه مع أمك وأختك وأخوك البيت هو البيت بعد حوالي خمس وعشرين سنة ولكنه جدران وأبواب ليس فيه الشوق والدفء والحنان،

ثم حطت بنا الرحال من الجنوب إلى الشمال من فلوريدا إلى بوسطن حيث المؤتمر السنوي لجميعة الاجتماع الأمريكية ، حيث المحاضرات وورش العمل واللقاءات والإنسان يبقي أبدا طالب علم يتعلم كل يوم متى ما كانت لديه الرغبة والتواضع والاستعداد ، وها انا أحط الرحال عندك في وستمنستر ، لونق بيش ، لوس أنجلوس ، جامعة ولاية كلفورنيا ، ومن خلال لقائي بعدد من الطلاب السعوديين في فلوريدا أو بوسطن ، ومن خلال التجربة والخبرة معهم وجدت أن بعضهم يعيش العزلة ،و على الرغم من أنها مفيدة أحيانا ومنتجة إلا أنها صعبة وقاتلة وقد تؤدي إلا عواقب نفسية سيئة ، وبعضهم يعيش الانفتاح والحياة الاجتماعية بكل أبعادها وهؤلاء على أضرب متعددة ، فالطيبون منهم يعيش مع زملاء له من اللغة نفسها في لقاءات واجتماعت ورحلات ولعب ولهو برئ غداء هنا وعشاء هناك ، ورحلة إلى البحيرة وأخرى إلى الحديقة ومرة عند هذا ومرة عند ذاك ، ولديهم قنوات عربية يشاهدون البرامج العربية والمباريات ، وتمضي بهم الأيام سريعا متعوا أنفسهم ولكنهم لم يطولوا بلح الشام ولا عنب اليمن ، اهلهم في انتظار عودتهم وبلدهم في حاجة لغى إسهامهم ، ودولتهم تنفق عليهم وهم يعتبرون أنهم لم يعملوا ما يغضب ربهم وكل ما يعملونه يخفف من غربتهم ولكنه ذلك أصبح عندهم هو الأصل وليس الاستثناء أصبحت الدراسة على حسب الفراغ من تلك الارتباطات ، وتلك الارتباطات تقتضي الشهر والسهر يقتضي الغياب عن المحاضرات أو الحضور بعقول قد أمضها السهر فهي لا تستطيع أن تستوعب شيئا ، وهناك من ذاب في المجتمع الذي يعيش فيه ونسى نفسه ومن هو من أي بلد هو إلى ما ينتمي ويظن أنه بذوبانه يجيد اللغة وثقافة المجتمع ، وما عرف أن اللغة العلمية التي يحتاجها طالب العلم لا تأخذ من المراقص والبارت وثقافة المجتمع تقوم على إجادة التخصص الذي أنت فيه و الوصول إلى درجة الإبداع والتميز وإتقان أخلاقيات العمل والدراسة ، وهناك وهناك أعداد وأضراب من الطلاب ولكني وجدت منهم الجاد في تحصيله المحافظ على نفسه ودينه وفكره البعيد عن مجموعات الانحراف الفكري أو السلوكي ، الذي يجد في إجازة نهاية الأسبوع فرصة الترويح عن نفسه مع أصفياء من أصحابه ، ولكنهم جميعا يحرصون على أنفسهم ودراستهم وعلى بعضهم ويوصي بعضهم بعضا وهذا ديدن كثير منهم ولله الحمد ’ وجدت الحياة هنا تمضي سريعة ، الساعات والأيام والليالي تمر سريعا ، وإذا لم يأخذ المرء على نفسه بالجدية وقت الجد ، والعمل وقت العمل ، مرت الأيام وهو لم يحقق ما جاء من أجله ، وجدت أن الصحبة الطيبة ضرورية في كل زمان ومكان ولكنها هنا أكثر ضرورة وأشد إلحاحا ، وليس صديقك من صدقك بل من صدق معك ، أخلص لك ، وكان حريصا عليك وحريصا على نفسه ، وجدت أن التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى غد من أخطر ما يواجه الطالب هنا ، ووجدت أن عمل كل شئ في وقته أو قبل وقته يريح النفس ويحقق القصد وعلى الله قصد السبيل .

أيها العزيز لقد التقيت بعدد من زملائك وجدت عددا منهم زملاء  كرام يعتز المرء بمعرفتهم ، و هذا يؤكد أن الصحبة الطيبة مكسب وأن معرفة الرجال مكسب ،

وأكتب إليك مودعا من بلدتك هنا في أمريكا لأعود إلى بلدي وبلدك أعود من خضرة الأرض إلى خضرة القلوب ، أعرف أن مغادرتي عليك صعبة ولكنك تدرك أنني لن أقيم معك هنا، ومغادرتي لك صعبة ولكن هكذا الدنيا نزوح وارتاح ، وهناك قلوب أتطلع لها وتتطلع إلي ونتطلع جميعا لأن نلتقي جميعا على خير بإذن الله.

أيها العزيز لقد أكبرت فيك صبرك وحرصك ومعانتك في المدة التي قضيتها في تعلم اللغة من معاناة ومن تنقلات بدون سيارة ، وأدركت مدى رغبتك في إسعادنا بتفوقك وهذا مؤشر على ما نتوقعه منك رعاك الله ، وأرجو أن تكون السيارة عونا لك على الطاعة ،ومزيد من الجد والتحصيل العلمي وتخفف معاناة التنقل  عبر وسائل النقل العامة ، وأن يرزقك من خيرها وخير ما جبلت عليه وأن يكفيك شرها وشر ما جبلت عليه .

أيها الحببيب سلامي على نفسك وعلى أصحابك ودعواتي لكم بالحفظ والتوفيق ، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك والسلام عليك في  كل حال وفي كل مكان ومن كل مكان

                                     محبك أبوك صديقك

                                       إبراهيم

                                   12/8/1429هـ /13/8/2008م

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.